للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإِنذارُ: الإِبلاغ، وَلَا يَكُونُ إِلا فِي التَّخْوِيفِ، وَالِاسْمُ النُّذُر. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ*

أَي إِنذاري. والنَّذِير: المُحذِّر، فَعَيْلٌ بِمَعْنَى مُفْعِل، وَالْجَمْعُ نُذُر. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ

؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الرَّسُولُ، وَقَالَ أَهل التَّفْسِيرِ: يَعْنِي النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً*

. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النَّذِير هَاهُنَا الشَّيْب، قَالَ الأَزهري: والأَوّل أَشبَه وأَوضح. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والنذِيرُ يَكُونُ بِمَعْنَى المُنْذِر وَكَانَ الأَصلَ وفعلُه الثُّلاثيُّ أُمِيتَ، وَمِثْلُهُ السميعُ بِمَعْنَى المُسمِعِ والبديعُ بِمَعْنَى المُبدِعِ. قَالَ

ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَنزل اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ

، أَتى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الصَّفا فصعَّد عَلَيْهِ ثُمَّ نَادَى: يَا صَبَاحَاهُ فَاجْتَمَعَ إِليه الناسُ بَيْنَ رجُل يَجيء ورجُل يَبعثُ رَسُولَهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا بَنِي عبدِ المطَّلِب، يَا بَنِي فُلَانٍ، لَوْ أَخبرْتُكم أَن خَيْلًا ستَفْتَحُ هَذَا الجبَلَ «١» تُريدُ أَن تُغِيرَ عَلَيْكُمْ صدّقتُموني؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فإِني نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ، فَقَالَ أَبو لَهَب: تَبًّا لَكُمْ سائرَ القَومِ أَما آذنْتُمونا إِلا لِهَذَا؟ فأَنزل اللَّهُ تَعَالَى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ.

وَيُقَالُ: أَنذَرْتُ القومَ سَيْرَ العدُوّ إِليهم فنَذِروا أَي أَعلمتُهم ذَلِكَ فعَلِموا وَتَحَرَّزُوا. والتَّناذُر: أَن يُنْذِر القومُ بعضُهم بَعْضًا شَرًّا مَخُوفاً؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

تَناذَرَها الرَّاقُون مَنْ شرِّ سَمِّها

يَعْنِي حيَّة إِذا لَدَغَتْ قَتَلَتْ. وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: قَدْ أَعذَرَ مَنْ أَنذَر أَي مَنْ أَعلَمك أَنه يُعاقِبُك عَلَى المكروهِ مِنْكَ فِيمَا يَستقبِله ثُمَّ أَتيتَ الْمَكْرُوهَ فعاقَبَك فَقَدْ جَعَل لِنَفْسِهِ عُذْراً يكُفُّ بِهِ لائِمَةَ النَّاسِ عَنْهُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: عُذْراك لَا نُذراك أَي أَعْذِر وَلَا تُنْذِر. والنَّذِيرُ العُرْيانُ: رجُل مَنْ خَثْعَمَ حَمَلَ عَلَيْهِ يومَ ذِي الخَلَصَةِ عَوْفُ بنُ عَامِرٍ فقطَع يَده ويَدَ امرأَتِه؛ وَحَكَى ابْنُ بَرّي فِي أَماليه عَنْ أَبي الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ فِي أَماليه عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ قَالَ: سأَلت أَبا حَاتِمٍ عَنْ قَوْلِهِمْ أَنا النَّذِيرُ العُرْيان، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبا عُبيدة يَقُولُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الخثْعَمي، وَكَانَ ناكِحاً فِي بَنِي زُبَيْد، فأَرادت بَنُو زُبَيْدٍ أَن يُغِيروا عَلَى خَثْعَمَ فَخَافُوا أَن يُنْذِر قومَه فأَلقَوْا عليه بَراذِعَ وأَهْداماً واحتَفَظوا بِهِ فَصَادَفَ غِرّة فحاضَرَهم وَكَانَ لَا يُجارَى شَدًّا، فأَتى قومَه فَقَالَ:

أَنا المُنْذِرُ العُرْيان يَنْبِذ ثَوبَه، ... إِذا الصَّدْقُ لَا يَنْبِذْ لَكَ الثَّوبَ كاذِبُ

الأَزهري: مِنْ أَمثال الْعَرَبِ فِي الإِنذار: أَنا النَّذِيرُ العُرْيان؛ قَالَ أَبو طَالِبٍ: إِنما قَالُوا أَنا النذِيرُ الْعُرْيَانُ لأَنّ الرجُل إِذا رأَى الْغَارَةَ قَدْ فَجِئَتْهُم وأَراد إِنذار قَوْمِهِ تَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ وأَشار بِهَا ليُعلم أَن قَدْ فَجِئَتْهُم الْغَارَةُ، ثُمَّ صَارَ مَثَلًا لِكُلِّ شَيْءٍ تَخَافُ مُفاجأَته؛ وَمِنْهُ قَوْلُ خُفاف يَصِفُ فَرَسًا:

ثَمِلٌ إِذا صَفَرَ اللِّجامُ كأَنه ... رجُل، يُلوِّحُ باليدَيْن، سَلِيبُ

وَفِي الْحَدِيثِ:

كَانَ إِذا خَطَب احْمرَّت عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُه وَاشْتَدَّ غضبُه كأَنه مُنذِر جَيش يَقُولُ صَبَّحَكُم ومَسَّاكم

؛ المُنْذِر: المعلِم الَّذِي يُعْرّف القومَ بِمَا يَكُونُ قَدْ دهَمَهم مِنْ عَدُوّ أَو غيره، وهو


(١). قوله [ستفتح هذا الجبل] هكذا بالأصل؛ والذي في تفسير الخطيب والكشاف بسفح هذا الجبل

<<  <  ج: ص:  >  >>