للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَارِضٌ بَشَرِيُّ يَشْغَلُه مِنْ أُمور الأُمّة والملَّة وَمَصَالِحِهِمَا عَدَّ ذَلِكَ ذَنْبًا وَتَقْصِيرًا، فيَفْزَعُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي أَنه يتَغَشَّى القلبَ مَا يُلْبِسُه؛ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يَغْشَى شَيْئًا حَتَّى يُلْبِسَه فَقَدَ غِينَ عَلَيْهِ. وغانَتْ نفْسُه تَغِينُ غَيْناً: غَثَتْ. والغَيْنُ: الْعَطَشُ، غانَ يَغِينُ. وغانتِ الإِبلُ: مثلُ غامَتْ. والغِينة، بِالْكَسْرِ: الصَّدِيدُ، وَقِيلَ: مَا سَالَ مِنَ الْمَيِّتِ، وَقِيلَ: مَا سَالَ مِنَ الْجِيفَةِ. والغَيْنةُ، بِالْفَتْحِ: اسْمُ أَرض؛ قَالَ الرَّاعِي:

ونَكَّبْنَ زُوراً عن مُحَيَّاةَ بعد ما ... بَدَا الأَثْلُ، أَثْلُ الغَيْنةِ المُتَجاوِرُ.

وَيُرْوَى الغِينة «١». الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هُوَ آنَسُ مِنْ حُمَّى الغِينِ. والغِينُ: مَوْضِعٌ لأَن أَهلها يُحَمُّون كَثِيرًا.

[فصل الفاء]

فتن: الأَزهري وَغَيْرُهُ: جِماعُ مَعْنَى الفِتْنة الِابْتِلَاءُ والامْتِحانُ وَالِاخْتِبَارُ، وأَصلها مأْخوذ مِنْ قَوْلِكَ فتَنْتُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ إِذا أَذبتهما بِالنَّارِ لِتُمَيِّزَ الرَّدِيءَ مِنَ الجيِّدِ، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا أَدخلته النَّارَ لِتَنْظُرَ مَا جَوْدَتُه، وَدِينَارٌ مَفْتُون. والفَتْنُ: الإِحْراقُ، وَمِنْ هَذَا قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ

؛ أَي يُحْرَقون بِالنَّارِ. وَيُسَمَّى الصَّائِغُ الفَتَّان، وَكَذَلِكَ الشَّيْطَانُ، وَمِنْ هَذَا قِيلَ لِلْحِجَارَةِ السُّود الَّتِي كأَنها أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ: الفَتِينُ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ

، قَالَ: يُقَرَّرونَ وَاللَّهِ بِذُنُوبِهِمْ. ووَرِقٌ فَتِينٌ أَي فِضَّة مُحْرَقَة. ابْنُ الأَعرابي: الفِتْنة الِاخْتِبَارُ، والفِتْنة المِحْنة، والفِتْنة الْمَالُ، والفِتْنة الأَوْلادُ، والفِتْنة الكُفْرُ، والفِتْنةُ اختلافُ النَّاسِ بِالْآرَاءِ، والفِتْنةُ الإِحراق بِالنَّارِ؛ وَقِيلَ: الفِتْنة فِي التأْويل الظُّلْم. يُقَالُ: فُلَانٌ مَفْتُونٌ بِطَلَبِ الدُّنْيَا قَدْ غَلا فِي طَلَبِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: الفِتْنة الخِبْرَةُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ

؛ أَيْ خِبْرَةً، وَمَعْنَاهُ أَنهم أُفْتِنوا بِشَجَرَةِ الزَّقُّوم وكذَّبوا بِكَوْنِهَا، وَذَلِكَ أَنهم لَمَّا سَمِعُوا أَنها تَخْرُجُ فِي أَصل الْجَحِيمِ قَالُوا: الشَّجَرُ يَحْتَرِقُ فِي النَّارِ فَكَيْفَ يَنْبُت الشجرُ فِي النَّارِ؟ فَصَارَتْ فِتْنَةً لَهُمْ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

، يَقُولُ: لَا تُظْهِرْهُم عَلَيْنَا فيُعْجبُوا وَيَظُنُّوا أَنهم خَيْرٌ مِنَّا، فالفِتْنة هَاهُنَا إِعجاب الْكُفَّارِ بِكُفْرِهِمْ. وَيُقَالُ: فَتَنَ الرجلُ بالمرأَة وافْتَتَنَ، وأَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ: فتَنَتْه المرأَةُ إِذا وَلَّهَتْه وأَحبها، وأَهل نَجْدٍ يَقُولُونَ: أَفْتَنَتْه؛ قَالَ أَعْشى هَمْدانَ فَجَاءَ بِاللُّغَتَيْنِ:

لئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمْسِ أَفْتَنَتْ ... سَعِيداً، فأَمْسَى قَدْ قَلا كلَّ مُسْلِم

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ جِنِّي وَيُقَالُ هَذَا الْبَيْتُ لِابْنِ قيسٍ، وَقَالَ الأَصمعي: هَذَا سَمِعْنَاهُ مِنْ مُخَنَّثٍ وَلَيْسَ بثَبَتٍ، لأَنه كَانَ يُنْكِرُ أَفْتَنَ، وأَجازه أَبو زَيْدٍ؛ وَقَالَ هُوَ فِي رَجَزِ رُؤْبَةَ يَعْنِي قَوْلَهُ:

يُعْرِضْنَ إِعْراضاً لدِينِ المُفْتِنِ

وَقَوْلُهُ أَيضاً:

إِني وبعضَ المُفْتِنِينَ داوُدْ، ... ويوسُفٌ كادَتْ بِهِ المَكايِيدْ

قَالَ: وَحَكَى

أَبو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجُ فِي أَماليه بِسَنَدِهِ عَنِ الأَصمعي قَالَ: حدَّثنا عُمر بْنُ أَبي زَائِدَةَ قَالَ حَدَّثَتْنِي أُم عَمْرٍو بِنْتُ الأَهْتم قَالَتْ: مَرَرْنا وَنَحْنُ جَوَارٍ بِمَجْلِسٍ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ جُبير، وَمَعَنَا جَارِيَةٌ تُغَنِّي بِدُفٍ


(١). قوله [ويروى الغينة] أي بكسر الغين كما صرح به ياقوت

<<  <  ج: ص:  >  >>