للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُقَالَ ضَرَبْت إِياك، وَكَذَلِكَ ضَرَبْتهم «٣» لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ ضَرَبْت إِيَّاكَ وزَيْداً أَي وضَرَبْتُك، قَالَ: وأَما التَّحْذِيرُ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِيَّاكَ ورُكُوبَ الفاحِشةِ ففِيه إضْمارُ الْفِعْلِ كأَنه يَقُولُ إِيَّاكَ أُحَذِّرُ رُكُوبَ الفاحِشةِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسانَ: إِذَا قُلْتَ إِيَّاكَ وَزَيْدًا فأَنت مُحَذِّرٌ مَن تُخاطِبهُ مِن زَيد، وَالْفِعْلُ النَّاصِبُ لَهُمَا لَا يَظْهَرُ، وَالْمَعْنَى أُحَذِّرُكَ زَيْداً كأَنه قَالَ أُحَذِّرُ إِيَّاكَ وزَيْداً، فإيَّاكَ مُحَذَّر كأَنه قَالَ باعِدْ نَفْسَك عَنْ زَيْدٍ وباعِدْ زَيْداً عَنْكَ، فَقَدْ صَارَ الْفِعْلُ عَامِلًا فِي المُحَذَّرِ والمُحَذَّرِ مِنْهُ، قَالَ: وَهَذِهِ المسأَلة تُبَيِّنُ لَكَ هَذَا الْمَعْنَى، تَقُولُ: نفسَك وزَيداً، ورأْسَكَ والسَّيْفَ أَي اتَّقِ رَأْسَك أَن يُصِيبه السَّيْفُ واتَّقِ السَّيْفَ أَن يُصِيبَ رَأْسَك، فرأْسُه مُتَّقٍ لِئَلَّا يُصِيبَه السيفُ، والسَّيْف مُتَّقًى، وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمَا الفِعْل؛ وَقَالَ:

فإِيَّاكَ إِيَّاكَ المِراءَ، فإِنَّه ... إِلَى الشَّرِّ دَعَّاءٌ، وللشَّرِّ جالِبُ

يُرِيدُ: إِيَّاكَ والمِراء، فَحَذَفَ الْوَاوَ لأَنه بتأْويل إِيَّاكَ وأَنْ تُمارِيَ، فَاسْتُحْسِنَ حَذْفُهَا مَعَ المِراء. وَفِي حَدِيثِ

عَطاء: كَانَ مُعاويةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا رَفَع رأْسَه مِنَ السَّجْدةِ الأَخِيرةِ كانَتْ إِيَّاها

؛ اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ السَّجْدَةِ، وإِيَّاها الْخَبَرُ أَي كَانَتْ هِيَ هِيَ أَي كَانَ يَرْفَع مِنْهَا ويَنْهَضُ قَائِمًا إِلَى الرَّكْعَةِ الأُخرى مِنْ غَيْرِ أَن يَقْعُد قَعْدةَ الاسْتِراحة. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إيايَ وَكَذَا

أَي نَحِّ عنِّي كَذَا ونَحِّني عَنْهُ. قَالَ: إِيّا اسْمٌ مَبْنِيٌّ، وَهُوَ ضَمِيرُ الْمَنْصُوبِ، وَالضَّمَائِرُ الَّتِي تُضاف إِلَيْهَا مِنَ الْهَاءِ وَالْكَافِ وَالْيَاءِ لَا مَواضِعَ لَهَا مِنَ الإِعراب فِي الْقَوْلِ الْقَوِيِّ؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ إيَّا بِمَعْنَى التَّحْذِيرِ. وأَيايا: زَجْرٌ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

إِذَا قَالَ حادِيهِمْ: أَيايا، اتَّقَيْتُه ... بِمِثْل الذُّرَا مُطْلَنْفِئاتِ العَرائِكِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْبَيْتِ:

إِذَا قَالَ حاديِنا: أَيا، عَجَسَتْ بِنا ... خِفَافُ الخُطى مُطْلَنْفِئاتُ العَرائكِ

وإياةُ الشمسِ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ: ضَوْءُها، وَقَدْ تُفْتَحُ؛ وَقَالَ طَرَفةُ:

سَقَتْه إِياةُ الشمْسِ إِلا لِثاتِه ... أُسِفَّ، وَلَمْ تَكْدِمْ عَلَيْهِ بإِثْمِدِ

فَإِنْ أَسقطت الْهَاءَ مَدَدْت وَفَتَحْتَ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لمَعْنِ بْنِ أَوْسٍ:

رَفَّعْنَ رَقْماً علَى أَيْلِيَّةٍ جُدُدٍ، ... لاقَى أَيَاها أَياءَ الشَّمْسِ فَأْتَلَقا

وَيُقَالُ: الأَياةُ لِلشَّمْس كالهالةِ لِلْقَمَرِ، وَهِيَ الدَّارَّةُ حولها.

[با]

: الْبَاءُ حَرْفُ هِجَاءٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وأَكثر مَا تَرِد بِمَعْنَى الإِلْصاق لِمَا ذُكِر قَبْلها مِنِ اسْمٍ أَو فِعْلٍ بِمَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى المُلابسة والمُخالَطة، وَبِمَعْنَى مِنْ أَجل، وَبِمَعْنَى فِي وَمِنْ وَعَنْ وَمَعَ، وَبِمَعْنَى الْحَالِ وَالْعِوَضِ، وَزَائِدَةً، وكلُّ هَذِهِ الأَقسامِ قَدْ جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ، وَتُعْرَفُ بِسِيَاقِ اللَّفْظِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَالْبَاءُ الَّتِي تأْتي للإِلصاق كَقَوْلِكَ: أَمْسَكْت بِزَيْدٍ، وَتَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ كَقَوْلِكَ: ضَرَبْتُ بالسيَّف، وَتَكُونُ للإِضافة كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما مَا يَحْكِيهِ أَصحاب الشَّافِعِيِّ مِنْ أَن الباءَ لِلتَّبْعِيضِ فَشَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَصحابنا وَلَا وَرَدَ بِهِ بَيْتٌ، وَتَكُونُ لِلْقَسَمِ كَقَوْلِكَ: بِاللَّهِ لأَفْعَلَنَّ. وقوله


(٣). قوله [وكذلك ضربتهم إلى قوله قال وأما إلخ] كذا بالأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>