للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأَلف فإِنك تَزيد عَلَيْهَا مِثْلَهَا فتمدُّها لأَنها تَنْقَلِبُ عِنْدَ التَّحْرِيكِ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ هَمْزَةً فَتَقُولُ فِي لَا كَتَبْتُ لَاءً حَسَنةً؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:

لَيْتَ شِعْرِي وأَيْنَ مِنِّيَ لَيْت؟ ... إِنَّ لَيْتاً وإِنَّ لَوًّا عَناء

وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَى ابْنُ جِنِّي عَنِ الْفَارِسِيِّ سأَلتك حَاجَةً فَلأْيَلْتَ لِي أَي قُلْتَ لِي لَا، اشْتَقُّوا مِنَ الْحَرْفِ فِعْلًا، وَكَذَلِكَ أَيضاً اشْتَقُّوا مِنْهُ المَصْدَر وَهُوَ اسْمٌ فَقَالُوا الَّلأْلأَة، وَحُكِيَ أَيضاً عَنْ قُطْرُبٍ أَن بَعْضَهُمْ قَالَ: لَا أَفْعلُ، فأَمالَ لَا، قَالَ: وَإِنَّمَا أَمالَها لمَّا كَانَتْ جَوَابًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا وقَوِيَتْ بِذَلِكَ فلَحِقَتْ باللَّوَّة بالأَسماء والأَفعال فأُمِيلَت كَمَا أُميلا، فَهَذَا وَجْهُ إِمَالَتِهَا. وَحَكَى أَبو بَكْرٍ فِي لَا وَمَا مِنْ بَيْنِ أَخواتهما: لَوَّيْتُ لَاءً حَسَنةً، بِالْمَدِّ، ومَوَّيْتُ مَاءً حَسَنةً، بِالْمَدِّ، لِمَكَانِ الْفَتْحَةِ مَنْ لَا وَمَا؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنهم لَمَّا أَرادوا اشْتِقاق فَعَّلْتُ مِن لَا وَمَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ فِيهِمَا وَهُمَا عَلَى حَرْفَيْنِ، فَزَادُوا عَلَى الأَلف أَلفاً أُخرى ثُمَّ هَمَزُوا الثانيةَ كَمَا تقدَّم فَصَارَتْ لَاءً وَمَاءً، فَجَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مَجْرَى بَاءٍ وَحَاءٍ بَعْدَ الْمَدِّ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي النَّسَبِ إِلى مَا لَمَّا احْتاجُوا إِلَى تَكْمِيلِهَا اسْمًا مُحْتَمِلًا للإِعراب: قَدْ عَرَفْت مائِيَّةَ الشَّيْءِ، فالهمزةُ الْآنَ إِنَّمَا هِيَ بدلٌ مِنَ أَلفٍ لَحِقَت أَلِفَ مَا، وقَضَوْا بأَنَّ أَلف مَا وَلَا مُبْدلةٌ مِنْ وَاوٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ ومَذْهَبِه فِي بَابِ الرَّاءِ، وأَنَّ الرَّاء مِنْهَا يَاءٌ حَمْلًا عَلَى طوَيْت ورَوَيْت، قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لِمَكَانِ الْفَتْحَةِ فِيهِمَا أَي لأَنك لَا تُمِيلُ مَا وَلَا فَتَقُولُ مَا وَلَا مُمالَتَيْنِ، فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الأَلف فِيهِمَا مِنْ وَاوٍ كَمَا قَدَّمْناه مِنْ قَوْلِ أَبي عَلِيٍّ وَمَذْهَبِهِ. وَتَكُونُ زَائِدَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ. وقالوا: نا بَلْ، يُريدون لَا بَلْ، وَهَذَا عَلَى البَدَل. وَلَوْلَا: كَلمة مُرَكَّبةٌ مِنْ لَوْ وَلَا، وَمَعْنَاهَا امْتناعُ الشَّيْءِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ كَقَوْلِكَ لَوْلا زَيْدٌ لَفَعَلْتُ، وسأَلتك حَاجَةً فَلَوْلَيْتَ لِي أَيْ قُلْتَ لَوْلا كَذَا؛ كأَنه أَراد لَوْلَوْتُ فَقَلَبَ الْوَاوَ الأَخيرة يَاءً للمُجاورة، وَاشْتَقُّوا أَيضاً مِنَ الْحَرْفِ مَصْدراً كَمَا اشْتَقُّوا مِنْهُ فِعْلًا فَقَالُوا اللَّوْلاة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما ذكرنا هاهنا لايَيْت ولَوْلَيْتُ لأَن هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ المُغَيَّرَتَيْنِ بِالتَّرْكِيبِ إِنما مادَّتهما لَا ولَوْ، ولَوْلا أَن القِياسَ شَيْءٌ بَرِيءٌ مِنَ التُّهَمة لَقُلْتُ إِنَّهُمَا غَيْرُ عَرَبِيَّتَيْنِ؛ فأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لَلَوْلا حُصَيْنٌ عَيْبَهُ أَن أَسُوءَه، ... وأَنَّ بَني سَعدٌ صَديقٌ ووَالِدُ «١»

فإِنه أَكد الْحَرْفَ بِاللَّامِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:

إِيَّاكَ واللَّوَّ فإِنَّ اللَّوَّ مِن الشَّيطانِ

؛ يُرِيدُ قَوْلَ المُتَنَدِّم عَلَى الْفَائِتِ: لَوْ كَانَ كَذَا لَقلتُ ولَفَعَلْتُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ المُتَمَنِّي لأَنَّ ذَلِكَ مِن الاعْتراض عَلَى الأَقدار، والأَصلُ فِيهِ لَوْ ساكِنة الْوَاوِ، وَهِيَ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ المَعاني يَمتنع بِهَا الشَّيْءُ، لامْتناع غَيْرِهِ، فإِذا سُمِّي بِهَا زِيدَ فِيهَا وَاوٌ أُخرى، ثُمَّ أُدغمت وشُدِّدت حَملًا عَلَى نَظَائِرِهَا مِنْ حُرُوفِ المعاني، والله أَعلم:

[ما]

: مَا حَرْفُ نَفي وَتَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الشَّرط، وَتَكُونُ عِبارة عَنْ جَمِيعِ أَنواع النَّكِرَةِ، وَتَكُونُ موضُوعة مَوْضِعَ مَنْ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى الاسْتِفهام، وتُبْدَل مِنَ الأَلف الْهَاءُ فَيُقَالُ مَهْ؛


(١). قوله [عيبه] كذا في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>