للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أن العلاقات بين الإدارتين سيئة في طبيعتها التنظيمية، وإن كانت تصبح سيئة فعلا عندما يشخصها أفراد لا يحسنون تشخيصها.

فالمشكلة لا تطرح من الجانب التنظيمي بل من الجانب النفسي، لأنها مشكلة البنية الذهنية.

إن عدم التناغم المشار إليه ليس إلا العرض المرضي للعلاقات المنحرفة بين الأفراد القائمين بوظيفة الدولة على اختلاف مراتبهم.

فالاضطلاع بهذه الوظيفة، يتطلب من القائمين بها الخضوع لشروطها، سواء بالنسبة للرؤساء أو المرؤوسين، خضوعا يقضى بالحد من (الحرية) ومن (الاستقلال) الفردي.

فالوطن لا يحقق (استقلاله) في مرحلة البناء، إلا بقدر ما يضع من حدود (لاستقلال) أفراده.

غير أن الحدود هذه لا تحتمل، إذا لم يكن لها أسمى المسوّغات: إن (الخضوع) أو التسليم في نصيب من حريته لا يتسنى في نظر الفرد، إلا إذا كان الخضوع يتضمن معنى الواجب المقدس، كالواجب الذي خضع له خالد بن الوليد يوم اليرموك.

فمشكلة العلاقات الناتجة عن ممارسة السلطة، عموديا أو أفقيا، مع الرؤساء والمرؤوسين ومع الزملاء، تتصل مباشرة بقضية تسويغ (الخضوع) بصفته التزاما يعبر على صعيد العمل المشترك عما يتطلبه الضمير المهني.

وهذه العلاقات- التي تشرط فعالية العمليات الإدارية كلها، وبالتالي وظيفة الدولة كلها- تعكس ظلها على تفاصيل الحياة، في أقصى أبعادها، عكسا يصبح معه الضمير المهني مجرد الضمير، وتصير العلاقة الناتجة عن ممارسة السلطة مجرد العلاقة الاجتماعية في أبسط صورها.

<<  <   >  >>