للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عوامل اجتماعية ونفسية معينة، توجب علينا فحصها بالجهد الدقيق ودراستها دراسة مدققة.

فلو أننا قد عدلنا هكذا فهمنا للتاريخ، لحققنا تلقائياً الشرط الأولي للفعالية، سواء بالنسبة للاستعمار أو بالنسبة لأي حدث آخر من أحداث التاريخ. ولو أننا قد صححنا معنى الإنسان في أذهاننا، إذن لأدركنا مباشرة السبب في أنه يحرك التاريخ أحياناً، وأحياناً أخرى لا يحرك ساكناً، في حين أن الإنسان في كل الظروف هو الإنسان الذي كرمه الله عز وجل، يوم خلق آدم عليه الصلاة والسلام، ذلك أن هناك حقيقة اجتماعية هأمة، أرى من حُسن شرحها أن أضرب المثل الآتي:

لو أخذنا قطعة من معدن الزنك مثلاً، سواء أكانت في حالتها الخام، أو في حالة مخلفات تلقى في المهملات، أي في حالة فقدت فيها صلاحيتها فما أعدت له أو تكتسب بعد تلك الصلاحية. فإن هذه القطعة في كلتا الحالتين تفقد قيمتها العملية. ومن البديهي أننا لن نستطيع أن نعيد إليها هذه القيمة، ما لم نعد إليها أولاً صلاحيتها المفقودة، أو نخلق فيها شروط تلك الصلاحية التي لم تكتسبها بعد. ولقد سنحت لي الفرصة صباح اليوم أن أزور المصنع الذي يشرف عليه الأستاذ (أبو عمر الداعوق)، ورأيت بعض تلك العمليات التي تحول قطعة معدن الزنك، بعد أن فقدت صلاحيتها وألقيت في المهملات، تحولها من الشيء التافه الذي يلتقط في الشارع، إلى الشيء الذي أعيدت إليه صلاحيته، بما طرأ عليه من العمليات الصناعية. فقد تتبعت هذه المراحل كلها، منذ أن كانت هذه القطعة شيئاً ذا قيمة إقتصادية زهيدة، إلى أن أصبحت شيئاً لا يثمن بما فيه من المادة، ولكن بما فيه من العمل.

وإنكم لتعلمون أن قيمة هذه القطعة الحقيقية، ليست غير تلك التي قدرتها الأقدار، عندما حددت ميزاتها الخاصة بوصفها عنصراً من عناصر الطبيعة. ولم

<<  <   >  >>