للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أسلوب الحياة في المجتمع. ولا شك في أن هذا المبدأ سيزيد في وضوح الخلاف البعيد بين الثقافة والعلم، وبالتالي بين الفرد المثقف ومجرد العالم والمتعلم.

على أننا حتى هذه النقطة من حديثنا لم نشر إلا إشارة عابرة إلى عالم الأشياء، بينما نحن لا نتصور حياة الإنسان دون جانبها المادي. كما لا نتصور شيئاً لا يصدر عن فكرة معينة تتصل بطبيعتها بعالم المفاهيم. وإن هذا ليفرض علينا أن نحدد عنصراً رابعاً في الثقافة.

فالمبدأ الأخلاقي وذوق المجال والمنطق العملي لا تكون وحدها شيئا من الأشياء إن لم تكن في أيدينا وسائل معينة لتكوينه، والعلم هو الذي يعطينا تلك الوسائل. فالعلم أو الصناعة- حسب تعبير ابن خلدون- يكون عنصراً هاماً في الثقافة لا يتم بدونه تركيبها ومعناها، فهو إذن عنصرها الرابع.

وهكذا يتم تحديد الثقافة بطريقة لا ينبغي لنا فيها أن نفكر في عنصرآخر.

وأية إضافة على هذه العناصر الأربعة سوف تكون من فضول الحديث ولا حاجة بنا إليها. فالمبادئ الأربعة التي قررناها كفيلة بجمع شروط الفعالية، التي- كما بينا- هي الشيء الذي نريده من وراء كلمة (ثقافة)، ذلك أننا لو حللنا عملا ما على أنه كائن مركب ومشتمل على دوافع نفسية، فإننا نرى أن هذه الدوافع يبعثها المبدأ الأخلاقي في النفس، بعثاً لا يمكن معه أن يتصور هذا العمل بدونها عملا إرادياً. وهذا العمل يأتي بصورة معينة يحددها ذوق المجال، وبهذا يتم جزء من فعاليته؛ كما أن هذا العمل سنجده يؤدي للمصلحة الاجتماعية بقدر ما فيه من المنطق العملي الذي يحدد سعة إنجازه، وبه تمام جزء فعاليته الآخر. وهو أخيراً يطلب تطبيق أصول نظرية ووسائل مادية يقدمها العلم. وهل بعد تحديد دوافع العمل وصورته وسعة إنجازه ووسائله شيء يبقى دون أن يستكمل العمل صورته التأمة؟

لاشك أنه من الفضول تحديد العمل بشيء أكثر من هذا. وكل فضول في

<<  <   >  >>