للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا"، وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: "لقد وجدته بحرًا، أو إنه لبحر» (١).

وهذا المثال وغيره من الأمثلة السابقة تدل دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أشجع إنسان على الإطلاق، فلم يكتحل الوجود بمثله صلى الله عليه وسلم، وقد شهد له بذلك الشجعان الأبطال (٢).

قال البراء - رضي الله عنه-: "كنا والله إذا احمر البأس نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم " (٣).

وقال أنس في الحديث السابق: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس». . . ".

وكانت هذه الشواهد السابقة لشجاعته القلبية، أما شجاعته العقلية فسأكتفي بشاهد واحد؛ فإنه يكفي عن ألف شاهد ويزيد، وهو موقفه من تعنت سهيل بن عمرو، وهو يملي وثيقة صلح الحديبية، إذ تنازل صلى الله عليه وسلم عن كلمة "بسم الله الرحمن الرحيم " إلى باسمك اللهم، وعن كلمة: " محمد رسول الله " إلى كلمة: محمد بن عبد الله، وقبوله شرط سهيل على أنه لا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم رجل من قريش حتى ولو كان مسلمًا إلا رده إلى أهل مكة، وقد استشاط الصحابة غيظًا، وبلغ الغضب حدًّا لا مزيد عليه، وهو صلى الله عليه وسلم صابر ثابت حتى انتهت الوثيقة، وكان بعد أيام فتحًا مبينًا.


(١) البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باد حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل، ١٠/ ٤٥٥، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي عليه السلام وتقدمه للحرب، ٤/ ١٨٠٢.
(٢) انظر: رواية علي بن أبي طالب في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد١/ ٨٦، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي٢/ ١٤٣، وتقدم تخريجه ص١٧٥.
(٣) أخرجه مسلم ٣/ ١٤٠١، وتقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>