للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأبى عمر أن يجلس، فلما تكلم أبو بكر أقبل الناس إليه وتركوا عمر، فجلس عمر - رضي الله عنه - فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله - تعالى -: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: ٣٠] (١) وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: ١٤٤] (٢).

فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر - رضي الله عنه -، وقال عمر. والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات.

وقال الراوي: " فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها، ونشج الناس يبكون " (٣).

إن المصيبة عظيمة، والأمر كبير، والحادث جليل، والخلاف واقع؛ ولكن أبا بكر - رضي الله عنه بفضل الله تعالى - حل الخلاف، وألف بين القلوِب وثبّتها، ولا يقدر على هذا إلا من أُوتي قلبًا ثابتًا، وشجاعة فائقة، وعقلاَ راجحًا، وحكمة بالغة، رضي الله عنه وأرضاه.


(١) سورة الزمر، الآية ٣٠.
(٢) سورة آل عمران، الآية ١٤٤.
(٣) انظر: البخاري مع الفتح، وقد صغت هذه الألفاظ من مواضع متفرقة منه، من كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت إذا أدرج في أكفانه، ٣/ ١١٣، وكتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذًا خليلًا، ٧/ ١٩، وكتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، ٨/ ١٤٥، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير ٥/ ٢٤١، ٢٤٢، وحلية الأولياء ١/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>