للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله مواقف حكيمة في دعوته إلى الله - تعالى -، لا يتسع المقام لذكرها (١).

وهذه المواقف العظيمة يبين فيها للناس بقوله وفعله أن العزة والرفعة والتمكين لا تأتي عن طريق الكبر، والغطرسة، والإِعجاب بالنفس أو الجاه أو السلطان، وإنما يأتي ذلك كله لمن تمسك بالإِسلام، ولهذا قال لأبي عبيدة في الخبر السابق: " إنكم كنتم أذلّ الناس، وأحقرَ الناس، وأقلّ الناس، فأعزّكم الله بالإِسلام، فمهما تطلبوا العزة من غيره يذلّكم الله ".

رضي الله عن الفاروق وأرضاه، وجزاه عن أمة محمد خيرَ الجزاء، فقد قام بالأعمال العظيمة، وسلك مسلك الحكمة التي من أُوتيها فقد أوتي خيرًا كثيرًا، ونفّذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المشركين، من: يهود، ونصَارى، ومجوس، وغيرهم من المشركين، حيث قال صلى الله عليه وسلم قُبيَل موته: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» (٢).

فطهَّر - رضي الله عنه - جزيرة العرب من المشركين، ولم يترك أحدًا منهم فيها، طبقًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.


(١) ومن حرصه على التواضع أنه كان يدرب نفسه عليه، ولذلك إذا أنكر نفسه أدبها وجازاها وخاطبها يخوفها بالله، فعن أنس - رضي الله عنه - قال كنت مع عمر، فدخل حائطًا لحاجته فسمعته يقول: - وبيني وبينه جدار الحائط -: " عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ بخ، والله لتتقين الله يا ابن الخطاب، أو ليعذبنك ".
وقيل: إنه حمل قربة على عاتقه فقيل له في ذلك، فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه فيحمل صريعًا إلى منزله، فيعاد أياما ليس به مرض إلا الخوف من الله - عز وجل -. انظر: البداية والنهابة ٧/ ١٣٥. وانظر مواقف له أخرى في: تاريخ الطبري ٢/ ٥٦٧، ٥٦٨، والكامل في التاريخ لابن الأثير ٣/ ٣٠، ومناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٦٩، والبداية والنهاية ٣/ ١٣٥، وحياة الصحابة للعلامة الكاندهلوي ٢/ ٩٧.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب الجزية والموادعة، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب ٦/ ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>