للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين يديه قال: يا حجاج، كم بينك وبين آدم من أب؟ قال: كثير. قال: فأين هم؟ قال: ماتوا. فنكس الحجاج رأسه، وخرج الحسن (١).

وهذا من حكمة الحسنِ في دعوته إلى الله، فإن الخروج على الأئمة المسلمين - ولو كانوا فسّاقًا - يسبب شرًّا كثيرًا، وفتنة عظيمة، وإزهاقًا للأرواح، وفسادًا كبيرًا، فَسدَّ الحسن الباب أمام هذه المفاسد.

٢ - موقف الحسن مع عمر بن هبيرة:

عندما ولي عمر بن هبيرة (٢). العراق أرسل إلى الحسن فقدم إليه، فقال له: إن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك (٣) ينفذ كتبًا أعرف أن في إنفاذها الهلكة، واستفتاه ماذا يصنع أمام هذه الكتب؟ فقال الحسن: يا عمر بن هبيرة، يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله - تعالى - فظ غليظ، لا يعصي الله ما أمره، فيخرجك من سعة قمرك إلى ضيق قبرك، يا عمر بن هبيرة إن تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك ولا يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله - عز وجل -، يا عمر بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك نظرة مقت، فيغلق بها باب المغفرة دونك، يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناسًا من صدر هذه الأمة كانوا والله على الدنيا وهي مقبلة أشدّ إدبارًا من إقبالكم عليها وهي مدبرة، يا عمر بن هبيرة إني أخوفك مقامًا خوفكه الله - تعالى -، فقال: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: ١٤] (٤) يا عمر بن هبيرة إن تك مع الله في طاعته


(١) انظر: البداية والنهاية ٩/ ١٣٥.
(٢) هو عمر بن هبيرة بن معاوية بن سُكَين، الأمير أبو المثنى أمير العراقيين، مات سنة ١٠٧ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء ٤/ ٥٦٢.
(٣) هو يزيد بن عبد الملك بن مروان الخليفة، استخلف بعهد عقده له أخوه سليمان، بعد عمر بن عبد العزيز، ولد سنة ٧١ هـ. وكانت خلافته أربعة أعوام، توفي سنة ١٠٥ هـ. انظر: سير أعلام النبلاء ٥/ ١٥٠ - ١٥٢.
(٤) سورة إبراهيم، الآية ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>