للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أعظم مواقفه الحكيمة التي تجلت حكمته فيها في دعوته إلى الله -تعالى- موقفه مع سلطان الديار المصرية: أيوب بن الكامل (١) فقد دخل سلطان العلماء مرةً إلى هذا السلطان في يوم عيد، فشاهد العسكر مصطفين بين يديه وقد خرج على قومه في زينته، وأخذت الأمراء تُقبِّل الأرض بين يديه، والعز بن عبد السلام يرى هذا الموكب العظيم، فالتفت -رحمه الله- إلى السلطان، وناداه: يا أيوب! ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبويء لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟! فقال: هل جرى هذا؟ فقال العز: نعم الخانة الفلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون. فقال السلطان أيوب: يا سيدي! أنا ما عملته هذا في زمان أبي. فقال العز: أنت من الذين يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: ٢٢] (٢) فرسم السلطان بإبطال تلك الخانة ومنع بيع الخمور. ورجع العز منتصرًا مسرورًا؟ لتغيير هذا المنكر، وقال له بعض تلاميذه (الباجي): يا سيدي كيف الحال؟ فقال العز بن عبد السلام: يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه؟ لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه. فقال له: يا سيدي! أما خفته؟ فقال. والله يا بني لقد استحضرت هيبة الله -تعالى- فصار السلطان قدَّامي كالقط! (٣).

الله أكبر ما أحكم هذا الموقف الذي بسببه أُزيلت أمّ المنكرات، وأم الخبائث، مع ما أُزيل معها من المنكرات الأخرى، وانتشار الخير بين الناس.

- فرحم الله العز بن عبد السلام، وجزاه الله خيرًا، ورفع درجته.


(١) هو الملك الصالح أيوب، ابن السلطان الملك الكامل محمد بن العادل، ولد سنة ٦٠٣ بالقاهرة، وتوفي في ليلة النصف من شعبان سنة ٦٤٧هـ، انظر: سير أعلام النبلاء، ٢٣/ ١٨٧ - ١٩٢.
(٢) سورة الزخرف، الآية ٢٢.
(٣) طبقات الشافعية، ٥/ ٨١ - ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>