للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومصلحة كبيرة، وأقبل في هذه المدة على التلاوة وتصنيف الكتب، والرد على المخالفين، وكتب في مسألة زيارة القبور البدعية، وبيَّن الزيارة الشرعية.

وكان -رحمه الله- داعيةً عظيمًا حكيمًا أينما كان، ولهذا كان لا يهمّه الإفراج عنه من السجن ما دام باستطاعته نشر العلم بقلمه ولسانه، ولهذا كان يقول: "ما يصنع أعدائي بي؟! إن جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي لا تفارقني، إن حَبْسِي خَلْوَة، وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة".

(د) ومن أعظم ما يدل على حكمة ابن تيمية وقوَّته في الحق وثباته عليه ما فعله في آخر حياته في سجن قلعة دمشق من كتابته بالفحم.

ففي التاسع من جمادى الآخرة سنة ٧٢٨هـ مُنِعَ الشيخ من جميع أدوات الكتابة، وأرسلت جميع مسوداته وأوراقه إلى المكتبة العادلية، وكان ذلك في نحو ستين مجلدًا، فصار يكتب بالفحم، وقد كان ذلك له صدمة عنيفة آلمته كثيرًا، ولكنه ثبت واستخدم الفحم، وهذا يدل على قوة عزيمته، مع أنه ختم القرآن مدة إقامته بالقلعة ثمانين مرة، ولكنه بعد هذه الصدمة لم يبق إلا يسيرًا، حيث مات رحمه الله يوم الاثنين في ٢٠ من ذي القعدة سنة ٧٢٨هـ (١).

وبفضل الله -تعالى-، ثم بهذه الخطوات الحكيمة أنار ابن تيمية الأرض التي مشى عليها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نشر علم الكتاب والسنة، وجاهد بلسانه ويده، وناظر وغلب جميع أخصامه، وعمل أعماله الحكيمة في السجون فحولها -بفضل الله- من بيئة فاسدة إلى بيئة صالحة مؤمنة، فجزاه الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء.


(١) انظر: البداية والنهاية ١٤/ ٣٧ - ٩٧، ١٢٣ - ١٤٠، والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية ص٧٣، وحياة شيخ الإسلام لمحمد بهجة البيطار ص٣٤، ٣٥، وشيخ الإسلام جهوده ودعوته لأحمد القطان ومحمد الزين ص٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>