للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغنم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» (١) وفي رواية: «قالوا: أكنت ترعى الغنم؟ قال: "وهل من نبي إلا وقد رعاها؟» (٢).

والحكمة من ذلك- والله أعلم- أن الله- عز وجل- يلهم الأنبياء قبل النبوة رعي الغنم؛ ليحصل لهم التمرين والتجربة برعيها على ما يُكلَّفُونه من القيام بأمر أمتهم؛ ولأن في مخالطتها ما يُحصِّل لهم الحلم والشفقة، كما قال، صلى الله عليه وسلم: «أتاكم أهل اليمن هم أرقُّ أفئدةً وألين قلوبًا. الإِيمانُ يَمانٍ، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإِبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم» (٣) ولأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طبائعها، وشدة تفرقها مع ضعفها، واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرفوا اختلاف طبائعها وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة، لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك؛ لكونها أضعف من غيرها؛ ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإِبل والبقر، لإِمكان ضبط الإِبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادًا من غيرها (٤).


(١) البخاري مع الفتح، كتاب الإِجارة، باب رعي الغنم على قراريط ٤/ ٤٤١.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب يعكفون على أصنام لهم ٦/ ٤٣٨، وكتاب الأطعمة، باب الكباث ٩/ ٥٧٥، ومسلم في الأشربة، باب فضيلة الأسود من الكباث ٣/ ١٦٢١، وهو النضيج من ثمر الأراك، انظر. شرح النووي١٤/ ٦.
(٣) البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن ٨/ ٩٨، ومسلم في الإِيمان، باب تفاضل أهل الإِيمان١/ ٧١.
(٤) انظر. فتح الباري٤/ ٤٤١، وشرح النووي على مسلم١٤/ ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>