للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأخطاء والإخفاق، والتعثر، والارتباك، ثم تعرضه للتخلف من حيث يريد السبق، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه. وبخلاف التباطؤ والكسل، فهو أيضا يعرضه للتخلف والحرمان من تحقق النتائج التي يرجوها.

ولا شك أنه ينبغي للداعية أن يكون متأنيا في جميع أموره، ولا يكون مستعجلا في جميع أموره، ولا يكون متباطئا كسولا، ولا يزال الرجل يجني من ثمرة العجلة الندامة (١). والعجلة لها أسباب ينبغي أن يجتنبها الداعية، من أعظمها الشيطان عدو الإنسان، فعن أنس - رضي الله عنه - يرفعه: «التأني من الله والعجلة من الشيطان» (٢). لأنه الحامل عليها بوسوسته، فيمنع من التثبت والنظر في سنن الله في الكون، ويمنع النظر في العواقب، فيقع المستعجل في المعاطب والفشل (٣). ولكن ينبغي أن يعلم الداعية أن العجلة المذمومة ما كان في غير طاعة الله - عز وجل - مع عدم التثبت، أما المسارعة إلى الخير فهي محمودة، وقد قيل لبعض السلف: لا تعجل فالعجلة من الشيطان، فقال: لو كان ذلك كذلك لما قال موسى (٤) {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: ٨٤] (٥).

فعلم بأنه يستثنى من العجلة ما لا شبهة في خيريته، بشرط مراعاة الضوابط والشروط التي أمر الله بها حتى تكون المسارعة مما يحبه الله ويرضاه؛ ولهذا مدح الله المسارعين في الخيرات فقال عز وجل: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: ٩٠] (٦).

وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال الأعمش ولا أعلمه إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «التؤدة (٧). في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة» (٨). وعن عبد الله بن سرجس


(١) انظر: تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، للمباركفوري ٦/ ١٥٣، والأخلاق الإسلامية وأسسها، لعبد الرحمن الميداني، ٢/ ٣٦٧.
(٢) أخرجه أبو يعلى في مسنده، ٣/ ١٠٥٤، والبيهقي في السنن الكبرى، ١٠/ ١٠٤٠، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ٤/ ٤٠٤: " هذا إسناد حسن رجاله ثقات ".
(٣) انظر: شرح السنة، للبغوي ١٣/ ١٧٦، وفيض القدير، شرح الجامع الصغير، للمناوي ٣/ ١٨٤.
(٤) انظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، ٦/ ١٥٣.
(٥) سورة طه، الآية: ٨٤.
(٦) سورة الأنبياء، الآية: ٩٠.
(٧) التؤدة: التأني: انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي، ٣/ ٢٧٧.
(٨) أبو داود، كتاب الأدب، باب الرفق، ٤/ ٢٥٥، برقم ٤٨١٠، والحاكم بلفظه ١/ ٦٤، وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٣/ ٩١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>