كتاب فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري

قال الإمام الخطابي رحمه الله: "إن النهي إنما جاء في قتل النمل في نوع منه خاص. وهو الكبار منها، ذوات الأرجل الطوال وذلك: أنها قليلة الأذى والضرر، ونهى عن قتل النحلة؛ لما فيها من المنفعة، فأما الهدهد والصرد فنهيه في قتلهما يدل على تحريم لحومهما، وذلك أن الحيوان إذا نهي عن قتله، ولم يكن ذلك لحرمته ولا لضرر فيه كان ذلك لتحريم لحمه. . . " (١) وقال الإمام النووي رحمه الله: "وأما قتل النمل فمذهبنا أنه لا يجوز واحتج أصحابنا فيه بحديث ابن عباس. . . " (٢).

وهذا يبين للداعية أنه ينبغي له أن يحذر الناس من أخذ بعض الناس ومعاقبتهم بذنوب غيرهم أو جناية غيرهم، والله المستعان.

ثالثًا: من صفات الداعية: الصبر على الأذى: لا ريب أن الصبر على الأذى في ذات الله عَزَّ وجَلَّ من الصفات الحميدة التي ينبغي للداعية أن يتصف بها؛ ولهذا عوتب هذا النبي الكريم في هذا الحديث؛ لأنه قتل أمةً من النمل من أجل واحدة، قال الإمام القرطبي رحمه الله: "وظاهر هذا الحديث أن هذا النبي إنما عاتبه الله تعالى، حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع آذاه واحد منه، وكان الأولى به الصبر والصفح، لكن وقع للنبي: أن هذا النوع مؤذ لبني آدم، وحرمة بني آدم أعظم من حرمة غيره من الحيوان غير الناطق، فلو انفرد له هذا النظر، وينضم إليه التشفي الطبيعي يعاتب، والله تعالى أعلم.

لكن لما انضاف إليه التشفي الذي دل عليه سياق الحديث عوتب عليه، والذي يؤيد ما ذكرنا: التمسك بأصل عصمة الأنبياء، وأنهم أعلم الناس بالله، وبأحكامه، وأشدهم له خشية" (٣) رحم الله الإمام القرطبي فقد أجاد وأفاد (٤).

(١) معالم السنن، ٨/ ١١٣.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٤/ ٤٩٠، وانظر. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، ٥/ ٥٤٢.
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٥/ ٥٤٢، وانظر: فتح الباري لابن حجر، ٦/ ٣٥٩.
(٤) انظر: الحديث رقم ٢٧، الدرس الأول، ورقم ٦٦، الدرس الأول.