للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذا مئوية. هي حقائق ليسن ناشئة عن وجود الإنسان. وإنما هي سابقة له، موجودة منذ وجدت هذه العناصر في الكون. وقصارى تدخل الإنسان فيها أن يكتشفها ويعرفها، ثم يستغلها لصالحه، ويطبقها في حياته العملية.

وقصة النخل لا تخرج عن كونها حقيقة علمية اكتشفها الإنسان فطبقها في حياته العملية: حقيقة التلقيح والإخصاب في عالم النبات. وهي عملية لا يتم بدونها تكون الثمرة ونضجها على النحو المعروف.

والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقطع فيها برأي - كما هو ظاهر من الحديث - وإنما قال: «إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا» ولعل الشك الذي ساوره - صلى الله عليه وآله وسلم - قد جاء من اعتقاده بأن الله - عز وجل - لا بد أن يكون قد أودع فطرة الحياة ما تتم به عملياتها البيولوجية دون حاجة إلى تدخل الإنسان. هي إذن المسائل التكنيكية البحتة بتعبيرنا العلمي الحديث، المسائل التي يتحصل عليها المؤمنون والكفار سواء، ولا تؤثر بذاتها في عقيدة القلب أو اتجاه الشعور.

ومع ذلك فإن فريقًا من الناس يريدون أن يفهموا منها غير ما قصده الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وحدده. يريدون أن يبسطوها حتى تشمل الحياة الدنيا كلها، بتشريعاتها وتطبيقاتها، باقتصادياتها واجتماعياتها، بسياساتها وتنظيماتها. فلا يدَعُون لدين الله - سبحانه وتعالى - ولا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مهمة غير «تنظيف القلب البشري وهدايته» بالمعنى الروحي الخالص، الذي لا شأن له بواقع الحياة اليومي، ولا شأن له بتنظيم المجتمع وسياسة الأمور فيه. ثم يسندون هذا اللون من التفكير للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويجعلونه هو - صلى الله عليه وآله وسلم - شاهدًا عليه!!

ولكن قليلًا من النظر كان جديرًا أن يردهم إلى التفكير الصائب والتقدير الصحيح، ويرفع عنهم هذه الذِلة الفكرية التي يعانونها إزاء الغرب، فتلوي أفكارهم - بوعي أو بغير وعي - وتفسد مشاعرهم فينحرفون عن السبيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>