للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول يحيى بن سعيد: «بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية فاقتضَيْتُها، فطلبْتُ فقراء أعطيها لهم فلم أجد، فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس. فاشتريت بها رقيقًا فأعتقْتُهم». فهل نقول إن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أبطل الشريعة أو عدَّل فيها لأنه لم ينفق سهم الفقراء من أموال الزكاة؟ أم نقول إنه وجدت حالة لم ينطبق فيها النص فلم يطبق؟

وكذلك تصرف عمر بن الخطاب سدد خطاكم، سواء في عدم تطبيق حد السرقة عام الرمادة، أو وقف إنفاق السهم الخاص بالمؤلفة قلوبهم من أموال الزكاة.

فأين من هذا دعوة الداعين إلى إعطاء (أولياء الأمور) حق إبطال الشريعة بكاملها والاستعاضة عنها بالشرائع الجاهلية بحجة عدم مناسبة الأحوال؟!

إن (ولي الأمر) في الإسلام يكون شرط تَوْلِيَتِه، الذي يعطيه شرعية تولي الأمر، والذي بدونه لا تكون له شرعية، هذه الشرط هو تطبيق شريعة الله - عز وجل -، فكيف يكون من حقه إبطال شرط توليته ومصدر شرعيته؟!

وولي الأمر له على رعيته حق السمع والطاعة، ولكن في حدود طاعته هو لله ورسوله، فإن عصى الله ورسوله - بتعطيل شيء من شرع الله - فلا طاعة له على الناس.

ثم كيف يتصور أحد حين يخرج ولي الأمر عن طاعة الله ورسوله بإبطال شريعة الله، يكون له حق السمع والطاعة على رعيته، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقرر أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق - سبحانه وتعالى -؟ وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ» (رواه البخاري ومسلم).

فليس لولي الأمر أن يتصرف في الشريعة بالإبطال أو التعديل أو الاستبدال؛ لأن هذا الحق ليس لأحد على الإطلاق، لا الحاكم ولا المحكوم. ولا يوجد سبب واحد في الأرض يبرر لولي الأمر أن يفعل ذلك. لا الله أذِنَ له، ولا السوابق التي يتصيدونها من تصرفات عمر سدد خطاكم – إن صحت عنه - تؤيدهم فيما يذهبون إليه. ومحك الإيمان،

<<  <  ج: ص:  >  >>