للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضوابط المزاح:

وقد اعتبر بعض الفقهاء المزاح من المروءة وحسن الصحبة، ولاشك أن لذلك ضوابط منها:

١ - ألا يكون المزاح إلا صدقًا:

قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ» (حسن رواه أبو داود). (وَيْل): أَيْ هَلَاك عَظِيم أَوْ وَادٍ عَمِيق فِي جَهَنَّم (فَيَكْذِب): أَيْ فِي تَحْدِيثه وَإِخْبَاره (لِيَضْحَك): بِفَتْحِ الْيَاء وَالْحَاء (بِهِ): أَيْ بِسَبَبِ تَحْدِيثه أَوْ الْكَذِب (الْقَوْم): بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِل، وَيَجُوز بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْحَاء (لِيُضْحِكَ) وَنَصْب الْقَوْم عَلَى أَنَّهُ مَفْعُول.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا؟ قَالَ: «إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا» (صحيح رواه الترمذي) (إِنَّك تُدَاعِبُنَا) مِنْ الدُّعَابَةِ أَيْ تُمَازِحُنَا.

ومن الكذب في المزاح ما يسمونه بالنكت، وهي مواقف مضحكة لم تحدث، ويكون فيها ـ في الغالب ـ سخرية واستهزاء بطائفة من الناس، بل وقد يكون فيها ما يخدش الحياء ويشجع على انتشار الفاحشة بتهوين أمر الغيرة على الأعراض، والتهوين من قبح المعاصي، بل أحيانًا يكون فيها استهزاء بأمور الدين ـ والعياذ بالله.

٢ - ألا يكون فيه شيء من الاستهزاء بالدين:

فإن ذلك من نواقض الإسلام قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ *لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة:٦٥ - ٦٦)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه».

وكذلك الاستهزاء ببعض السنن، ومما انتشر الإستهزاء باللحية أو الحجاب، أو بتقصير الثوب أو غيرها؛ فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يبعث فيه لا باستهزاء، ولا بإضحاك، ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر،

<<  <  ج: ص:  >  >>