للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي؛ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي» (صحيح رواه ابن ماجه).

«فَلْيَتَعَزَّ» أي يخفِّف على نفسه مؤونة تلك المصيبة بتذكّر هذه المصيبة العظيمة، إذ الصّغيرة تضمحلّ في جنب الكبيرة فحيث صبر على الكبيرة لا ينبغي أن يبالي بالصّغيرة.

قال أبو العتاهية:

اصْبِرْ لكلِ مصيبةٍ وتجلَّدِ ... واعلمْ بأن المرءَ غيرَ مخلَّدِ

واصبِرْ كما صبَر الكرامُ فإنها ... نُوَبٌ تنوبُ اليومَ تُكشَفُ في غدِ

أوَما ترى أنّ المصائبَ جمَّةٌ ... وترى المنيةَ للعبادِ بمرصدِ

فإذا أتتْك مصيبةٌ تُشْجَى بها ... فاذكُر مُصَابَك بالنبي محمدِ - صلى الله عليه وآله وسلم -

وها هي أُمَّ أَيْمَنَ - رضي الله عنها - بَكَتْ حِينَ مَاتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقِيلَ لَهَا: «تَبْكِينَ»، فَقَالَتْ: «إِنِّي وَاللهِ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - سَيَمُوتُ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى الْوَحْيِ الَّذِي انْقَطَعَ عَنَّا مِنْ السَّمَاءِ» (رواه الإمام أحمد، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح).

قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ» (رواه مسلم).

مَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ النُّجُوم مَا دَامَتْ بَاقِيَة فَالسَّمَاء بَاقِيَة. فَإِذَا اِنْكَدَرَتْ النُّجُوم، وَتَنَاثَرَتْ فِي الْقِيَامَة، وَهَنَتْ السَّمَاء، فَانْفَطَرَتْ، وَانْشَقَّتْ، وَذَهَبَتْ.

وَقَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَأَنَا أَمَنَة لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ)

أَيْ مِنْ الْفِتَن وَالْحُرُوب، وَارْتِدَاد مَنْ اِرْتَدَّ مِنْ الْأَعْرَاب، وَاخْتِلَاف الْقُلُوب، وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا أَنْذَرَ بِهِ صَرِيحًا، وَقَدْ وَقَعَ كُلّ ذَلِكَ.

قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (وَأَصْحَابِي أَمَنَة لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) مَعْنَاهُ مِنْ ظُهُور الْبِدَع، وَالْحَوَادِث فِي الدِّين، وَالْفِتَن فِيهِ، وَطُلُوع قَرْن الشَّيْطَان،

<<  <  ج: ص:  >  >>