للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زمن عمر بن الخطاب، فبينا هو في سوق دمشق إذ وطيء رَجلًا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة.

قال: فليلطمه.

قالوا: أو ما يقتل؟

قال: لا.

فقالوا: أفما تقطع يده؟

قال: لا، إنَّما أمر الله بالقوَد.

قال جبلة: أترون أني جاعل وجهي ندًا لوجه جدي جاء من عمق؟ بئس الدين هذا! ثم ارتد نصرانيًا، وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم.

(انظر: تاريخ دمشق ١١/ ١٩).

والواجبُ على المؤمن أنْ تكون شهوتُه مقصورةً على طلب ما أباحه الله له، وربما تناولها بنيةٍ صالحةٍ، فأثيب عليها، وأنْ يكونَ غضبه دفعًا للأذى في الدين له أو لغيره وانتقامًا ممن عصى الله ورسولَه، كما قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ} (التوبة:١٤ - ١٥)

وهذه كانت حالَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإنَّه كان لا ينتقِمُ لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرماتُ الله لم يَقُمْ لِغضبه شيء (رواه البخاري ومسلم).

ولم يضرب بيده خادمًا ولا امرأة إلا أنْ يجاهِدَ في سبيل الله. (رواه مسلم).

وخدمه أنس عشرَ سنين، فما قال له: «أفٍّ» قط، ولا قال له لشيء فعله: «لِمَ فعلتَ كذا» ولا لشيء لم يفعَله: «ألا فعلتَ كذا» (رواه البخاري ومسلم).

وسئلت عائشةُ عن خُلُقِ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقالت: «كَانَ خُلُقُهُ القُرْآن» (رواه مسلم) تعني: أنَّه كان تأدَّب بآدابه، وتخلَّق بأخلاقه، فما مدحه القرآن، كان فيه رضاه، وما ذمَّه القرآنُ، كان فيه سخطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>