للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العمل. قال - عز وجل -: {وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (آل عمران: ١٥٤).

وقال - سبحانه وتعالى -: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (سورة الحجرات، الآية: ٣). فمن هؤلاء الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى؟

هذه الآية نزلت في الصحابيين الجليلين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - عندما رفعا صوتيهما عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقد روى البخاري عن عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قال: «قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرْ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرْ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي، قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا} حَتَّى انْقَضَتْ».

نعم! لا مجاملة في هذا الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} ثم ماذا؟ {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (سورة الحجرات، الآية: ٢).

سبحان الله! موقف في نظر الكثيرين لا يستحق.

من الذي يهدَّد في هذه الآية؟ أبو بكر الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْر» (رواه البخاري ومسلم).

وعمر - رضي الله عنه - الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» (رواه البخاري ومسلم).

لكنهما - رضي الله عنهما - تابا، وأنابا، واستغفرا، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ» (رواه البخاري). (السِّرَار) أَيْ الْكَلَام السِّرّ، (كَأَخِي السِّرَار) كَصَاحِبِ السِّرَار، وَالْمَعْنَى كَالْمُنَاجَى سِرًّا. (لَا يَسْمَعهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمهُ) أَيْ يَخْفِض صَوْته وَيُبَالِغ حَتَّى يَحْتَاج إِلَى اِسْتِفْهَامه عَنْ بَعْض كَلَامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>