للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦٠ - استضعاف وثبات]

كرامة الغلام:

«وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ فَقَالَ: «مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي»، فَقَالَ: «إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ» فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ.

يتجاهل الغلام الفكرة التي عرضها الجليس- فكرة الهدايا - والتي لم تَنَل من إحساسه شيئًا ويقول له: «إِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ» وهنا ترتفع قيمة الأمر بالإيمان الذي طلبه الغلام في تصور الجليس لأن شفاؤه سيكون بهذا الإيمان ولأن الأمر بالإيمان كان بديلًا للهدايا والمادة التي تنال من نفوس الناس تقديرًا واعتبارًا فانعكس هذا التقدير والاعتبار على الأمر الذي طلبه الغلام «فَآمَنَ (جليس الملك) بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ».

والملاحظة الدقيقة في تحرك الغلام أنه لم يقل للجليس: «فَإِنْ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ». مثلما قال له الراهب وذلك لأن الغلام انتقل بالدعوة من مرحلة السرية إلى المرحلة العلنية بهذا التحرك العلني العام وبدليل أنه كان «يُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ»، كل الناس.

إن الجليس قد أتى إلى الملك فجلس إليه كما كان يجلس من قبل.

فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟» قَالَ: «رَبِّي» قَالَ: «وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟» قَالَ: «رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ» فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ.

وفظيع جدًا أن يدعى الإنسان الربوبية لنفسه ولكن كيف يكون هذا الادعاء؟ فمن خلال دراسة هذه الظاهرة البشعة نجد أن القرآن سجلها على فرعون وعلى الملك

<<  <  ج: ص:  >  >>