للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:
مسار الصفحة الحالية:

فقال له الرجل: إن رأى القاضي أن يدنيني منه لأقول شيئاً فعل! فقال: أدنُ، فدنا منه وقال: إن أحق الناس بستر هذا الشعر أنت، وقد علمتَ فيمن قيل! فتبسم عبيد الله وقال: أرى فيك مصطنعاً، فقم إلى منزلك؛ وقال لخصمه: رح إلي لتأخذ مالك، فراح إليه وغرم له ما كان يدعيه.

٤٠٢ - قيل لرجلٍ: بكم تبيع شاتك؟ قال: اشتريتها بخمسة، وهي خيرٌ من ستة، وقد رأيت دونها بسبعة، وقد أُعطيت بها ثمانية، وفي نفسي أني لا أبيعها بتسعة، ولكن لا أنقصها عن عشرة، فمن وزن أحد عشر وإلا لم أبعها والسلام!

٤٠٣ - ابن مهرويه عن علي بن القاسم طارمة قال: كنت مع المعتصم لما غزا الروم، فجاءه بعض سراياه فأخبره بخبر ساءه، فركب من فوره، وسار أحد سير، وأنا أسايره، فسمع منشداً ينشد في عسكره:

إنَّ الأمورَ إذا انسدتْ مسالكُها ... فالصبرُ يفتحُ كل ما أرتتجا

لا تيأسنَّ وإن طالتْ مطالبةٌ ... إذا استعنتَ بصبرٍ أن ترى فرجا

فسرَّ بذلك، وطابت نفسه، ثم التفت إلي وقال: يا علي أتروي هذا الشعر؟ قلت: نعم، قال: من يقوله؟ قلت: محمد بن بشير، فتفاءل باسمه ونسبه، وقال: أمرٌ محمود وبشرٌ سريعٌ يعقب هذا الأمر! ثم قال: أنشدني أبيات برمتها فأنشدته:

ماذا يكلفكَ الروحاتِ والدلجا ... البرَّ طوراً وطوراً تركبُ اللُّججا

كم من فتىً قصرتْ في الرزق خطوتُهُ ... ألفيتهُ بسهام الرزق قد فَلَجا

لا تيأسنَّ وإن طالتْ مطالبةٌ ... إذا استعنتَ بصبرٍ أن ترى فرَجا

إن الأمور إ ذا انسدَّتْ مسالكها ... فالصبرُ يفتحُ منها كل ما ارتتجا

أخلقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجتهِ ... ومدمنِ القرعِ للأبوابِ أن يلِجا

فاطلب لرجلك قبلَ الخطوِ موقعَها ... فمن علا زلقاً عن غرةٍ زلجا

فلا يغرَّنك صفوٌ أنتَ شاربُهُ ... فربما كانَ بالتكديرِ ممتزحا

لا ينتجُ الناس إلا من لقاحهمُ ... يبدو لقاحُ الفتى يوماً إذا نُتجا

قال: وأصاب من ذلك الوجه ما أحب، وزال ماكره، وعاد غانماً مسروراً.

٤٠٤ - ذكر جحظة أن أبا الفضل بن القصار المعروف ببردِ الخيار مر يوماً على أبيه وهو يقصر في دكانه، ومعه غلامٌ يحمل قاطر ميز نبيذ وجوا مرجه مذبوحة مسموطة، وقد صار طنبورياً وأيسر، فقال: الحمد لله الذي جعل ابني وأرانيه قبل أن أموت ممن يأكل لحم الجوانيرات ويشرب نبيذ القامرطيزات يريد القاطرميزات!

٤٠٥ - أبو إسحق محمد بن هرون بن عيسى بن ابراهيم المعروف بابن شبرمة قال: كنا عند عبد الله بن أيوب، وكان يحدثنا بالعشيات، فخرج فقعد للحديث، فخرج طفلان صغيران، فقال له بعض من كان معنا: يا أبا محمد هؤلاء أولادك؟ يا أبا محمد تعرف ذلك الحديث؟ قال: أي حديث؟ قال: "قيل: يولد لابن ثمانين؟ قيل: نعم، إذا كان في جواره ابن عشرين! " فأطرق ابن أيوب وغضب غضباً شديداً وقال: لأحدثتكم العشية! ماذا التهجم وسوء الأدب؟ فحلف الرجل أنه سهل وغلط، ولم يورد ذلك على أصلٍ ولا عن قصد! فقلنا له: قد جئناك من مكانٍ بعيد من المدينة! قال: قد قلتُ لا أحدثكم، ادخلوا إلى ابني فاكتبوا عنه فإنه قد سمع من سعيد بن سعيد بن محمد الحرمي! وتركنا ودخل، ولم ينتفع به أحد من بعد؛ وكنا دائماً ندم المخاطب له تلك العشية ونلومه ونوبخه.

آخر الكتاب، ولواهب العقل الحمد دائماً كما هو أهله ومستحقه، وصلواته على سيدنا ومولانا محمد النبي وآله، وسلامه. ووافق الفراغ من تعليقه يوم الأحد ثامن عشر شوال سنة سبع وأربعين وستمائة.

<<  <