للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ حَتَّى وضعُوا لَهُ شَرِيعَة التَّعْدِيل والتجويز لَا يمعنى أَن الْعقل آمُر لَهُ وناه فَإِن هَذَا لَا يَقُوله عَاقل بل بِمَعْنى أَن تِلْكَ الْأَفْعَال مِمَّا علم بِالْعقلِ وُجُوبهَا وتحريمها وَلَكِن أدخلُوا فِي ذَلِك من النكرات مَا بنوه على بدعتهم من التَّكْذِيب بِالْقدرِ وتوابع ذَلِك

الطّرف الثَّانِي الغلاة فِي الرَّد عَلَيْهِم وهم الَّذين قَالُوا لَا ينزه الرب عَن فعل من الْأَفْعَال وَلَا يعلم وَجه امْتنَاع الْفِعْل مِنْهُ إِلَّا من جِهَة خَبره أَنه لَا يَفْعَله المطابق لعلمه بِأَنَّهُ لَا يَفْعَله فَهَؤُلَاءِ منعُوا حَقِيقَة مَا أخبر تَعَالَى بِهِ أَنه كتب على نَفسه الرَّحْمَة وَحرم على نَفسه الظُّلم

الطّرف الثَّالِث القَوْل الْوسط أَنه سُبْحَانَهُ عَليّ كل شئ قدير وَله الْخلق وَالْأَمر وَأَنه مَعَ ذَلِك حرم على نَفسه أَشْيَاء وَأخْبر أَنه لَا يَفْعَلهَا وَهِي مقدورة لَهُ وَيتْرك أَشْيَاء مَعَ قدرته عَلَيْهَا لِأَنَّهُ عَادل لَيْسَ بظالم كَمَا ينزه نَفسه عَن عُقُوبَة الْأَنْبِيَاء وكما ينزه نَفسه أَن يحمل البرئ ذنُوب الْمُعْتَدِينَ

وَقَوله لَا تظالموا فِيهِ كل الدّين

فالجملة الأولى قَوْله إِنِّي حرمت الظُّلم عَليّ نَفسِي يجمع حل مسَائِل الصِّفَات إِذا أَعْطَيْت حَقّهَا من التَّفْسِير وَهَذِه تَتَضَمَّن الدّين كُله فَإِن كل مانهى الله عَنهُ واجع إِلَى اظلم وكل مَا أَمر بِهِ رَاجع إِلَى الْعدْل

وَلما ذكر مَا أوجبه من الْعدْل وَحرمه منالظلم عَليّ نَفسه وَعلي عباده ذكر إحسانه إِلَى عباده مَعَ غناهُ عَنْهُم وفقرهم رليه وَأَنَّهُمْ لَا يقدرُونَ على جلب مَنْفَعَة لأَنْفُسِهِمْ وَلَا دفع مضرَّة رلا أَن يكون هُوَ سُبْحَانَهُ الميسر لذَلِك وَأمر الْعباد بِأَن يسألوه ذَلِك وَأخْبر أَنهم لَا يقدرُونَ عَليّ نَفعه وَلَا ضره مَعَ عظم مَا يوصله إِلَيْهِم من النعماء وَمَا يدْفع عَنْهُم من الْبلَاء

وجلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة إِمَّا أَن يكون للدّين أَو الدُّنْيَا فَصَارَت أَرْبَعَة أَقسَام

<<  <   >  >>