للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَن يكفر عَنَّا سيئاتنا ويدخلنا مدخلًا كَرِيمًا وَكَذَلِكَ قَوْله {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} فقد فسر اللمم بِأَنَّهُ غير الْوَطْء من النّظر واللمس والسمع وَالْمَشْي وَنَحْوه كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ مَا رَأَيْت أشبه باللمم مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله كتب على ابْن آدم حَظه من الزِّنَا فَهُوَ مدرك ذَلِك لَا محَالة فالعينان تزنيان وزناهما النّظر والأذنان تزنيان وزناهما السّمع وَالْيَدَانِ تزنيان وزناهما الْبَطْش وَالرجلَانِ تزنيان وزناهما الْمَشْي وَالْقلب يتَمَنَّى ويشتهي والفرج يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ وَسَماهُ الله لمما لِأَن العَبْد يلم بالكبيرة وَلَا يَأْتِيهَا قَالَ ... مَتى تأتنا تلم بِنَا فِي دِيَارنَا ... تَجِد حطبا جزلا وَنَارًا تأججا ...

وَقَالَ ... مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناده ... تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد ...

فَإِن الطارق يلم بِأَهْل الْمنزل قبل أَن يدْخل إِلَى منزلهم وَيُقَال اللمم أَن يلمم بالذنب الصَّغِير مرّة من غير إِصْرَار لِأَن من أصر على الصَّغِيرَة صَارَت كَبِيرَة كَمَا فِي التِّرْمِذِيّ لَا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار وَلَا كَبِيرَة مَعَ اسْتِغْفَار فقد جَاءَ الْكتاب وَالسّنة بتكفير الصَّغَائِر لمن اجْتنب الْكَبَائِر وَهَذَا لَا ريب فِيهِ

ثمَّ قَالَ قَائِلُونَ مَفْهُوم هَذَا أَنه لَا يكفر الصَّغَائِر إِلَّا بِهَذَا الشَّرْط فَمن لم يجتب الْكَبَائِر كلهَا لَا يكفر عَنهُ صَغِيرَة وَخَالف الْخَوَارِج والمعتزلة فَقَالُوا إِن من أَتَى كَبِيرَة اسْتحق الْعقُوبَة حتما فتحبط جَمِيع حَسَنَاته بِتِلْكَ الْكَبِيرَة وَيسْتَحق التخليد فِي النَّار لَا يخرج مِنْهَا بشفاعة وَلَا غَيرهَا

وَهَذَا قَول بَاطِل بِاتِّفَاق الصَّحَابَة رَضِي الله عَنهُ أَجْمَعِينَ وَسَائِر أهل السّنة والمرجئة من الشِّيعَة والأشعرية قابلوا الْمُعْتَزلَة بنقيض قَوْلهم فَقَالُوا لَا نجزم بتعذيب أحد من أهل التَّوْحِيد وَهَذَا أَيْضا بَاطِل بل تَوَاتَرَتْ السّنَن بِدُخُول أهل الْكَبَائِر النَّار وخروجهم مِنْهَا بشفاعة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلف الْأمة وأئمتها متفقون على مَا جَاءَت بِهِ السّنَن

<<  <   >  >>