للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك أيضًا: باب نعم وبئس، على جعل المخصوص بالمدح أو بالذم مبتدأ خبره محذوف. نحو: نعم الرجل عمرو، وبئس الرجل زيد. كأنه قيل: مَن الممدوح؟ ومن المذموم؟ فأجيب: زيد المذموم وعمرو الممدوح، فكل من زيد وعمرو: مبتدأ محذوف الخبر، والقرينة: وقوع المخصوص في جواب سؤال مقدر.

أسباب ذكر المسند في الكلام

وننتقل للحديث عن ذكر المسند:

فقد ذكر البلاغيون أن المسند يذكر في الكلام؛ لكون ذكره هو الأصل، وليس في الكلام ما يقتضي العدول عنه. وذلك كقولك ابتداء: زيد صالح. وتذكر المسند؛ لأنه ليس في الكلام ما يدعو إلى حذفه. وملاحظة مقتضَى المقام هنا هو المزية البلاغية. قالوا: ويذكر للاحتياط لضعف التعويل على القرينة، أي: أن في الكلام قرينة تدل على المحذوف لو حذف، إلا أنه ليس لها من القوة والإيضاح ما يلهم السامع المعنى، ويضعه من أول الأمر بين عينيه، وذلك كقولك لِمَن سأل: من أكرم العرب وأشجعهم في الجاهلية؟ فتقول في جوابه: عنترة أشجع العرب، وحاتم أجودهم. فتذكر أشجع، وأجود؛ خشيةَ أن يلتبس على السامع، إذا قلت: عنترة وحاتم، من غير أن تعين صفة كل واحد منهم، فلا يدرَى أيهم الأشجع والأجود؟

وقد ذكر العلامة سعد الدين مثالًا لهذا الغرض، هو قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (الزخرف: ٩). حيث ذكر المسند في قوله: {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}، مع دلالة السؤال عليه؛ احتياطًا لضعف التعويل على القرينة.

<<  <   >  >>