للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قولك لمن يؤذيك، وهو يعلم أنك مسلم: الله ربنا، ومحمد نبينا. ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الخبر لا يختلف في التأكيد وعدمه في مخاطبة الجاهل بفائدة الخبر ولازمها، ومخاطبة العالم بهما المنزل منزلة الجاهل، فأنت تقول لخالي الذهن: الصلاة واجبة. بدون توكيد، كما تقولها للعالم الذي نزلته منزلة الجاهل بالحكم بدون توكيد أيضًا.

الصورة الثانية: تنزيل خالي الذهن منزلة السائل المتردد، وذلك إذا تقدم في الكلام ما يلوح له بالخبر ويومئ إليه، فيستشرف نفسه لمعرفته، وتتطلع للوقوف عليه، كما يفعل السائل المتردد، وحينئذ يؤكد له الحكم كما يؤكد للسائل المتردد، ومن ذلك قول الله تعالى في شأن نوح -عليه السلام: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} (هود: ٣٧) أي لا تدعني يا نوح في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك، فهذا كلام يلوح بالخبر مع ما سبق في قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} فصار المقام مقام تردد، هل صاروا محكومًا يا رب عليهم بالإغراق؟ فقيل له: {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} بالتأكيد للرد على السؤال الافتراضي، وهذا النوع كثير في القرآن الكريم. ومنه قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} (يوسف: ٥٣) وقوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} يشير إلى أن الخبر من قبيل الاتهام للنفس وأنها أمارة بالسوء ولذلك جاء الخبر مؤكدًا؛ لأنه بمثابة جواب عن سؤال اقتضته الجملة الأولى، وهي قوله: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي} وهو سؤال عن السبب الخاص لا عن مطلق السبب.

<<  <   >  >>