للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عمر رضي الله عنهما أنه قال: " إيتوني به في الرابعة فعلي أن أقتله لكم) وهو أحد رواة الأمر بالقتل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم معاوية وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو، وقبيصة بن ذؤيب رضي الله عنهم، وحديث قبيصة فيه دلالة على أن القتل ليس بحد وأنه منسوخ، فإنه قال فيه: «فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل وكانت رخصة (١)» رواه أبو داود.

قال ابن القيم: فإن قيل فما تصنعون بالحديث المتفق عليه، عن علي كرم الله وجهه أنه قال: «ما كنت لأرى من أقمت عليه الحد إلا شارب الخمر؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسن فيه شيئا إنما هو شيء قلناه نحن (٢)» لفظ أبي داود، ولفظهما: «فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يسنه (٣)» قيل: المراد بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقدر فيه بقوله تقديرا لا يزاد عليه ولا ينقص كسائر الحدود، وإلا فعلي رضي الله عنه قد شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب فيها أربعين، وقوله: إنما هو شيء قلناه نحن يعني: التقدير بثمانين؛ فإن عمر رضي الله عنه جمع الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم فأشاروا بثمانين فأمضاها، ثم جلد علي كرم الله وجهه في خلافته أربعين، وقال: هذا أحب إلي.

ومن تأمل الأحاديث رآها تدل على أن الأربعين حد، والأربعون الزائدة عليها تعزير اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم، والقتل إما منسوخ وإما أنه إلى رأي الإمام بحسب تهالك الناس فيها واستهانتهم بحدها، فإذا رأى قتل واحد؛ لينزجر الباقون فله ذلك، وقد حلق فيها عمر رضي الله عنه وغرب، وهذا من الأحكام المتعلقة بالأئمة وبالله التوفيق ". اهـ. كلام ابن القيم في (زاد المعاد ج ٣ ص ٢١٠ ط المؤسسة العربية للطباعة والنشر ببيروت).

ومما يتعلق بالتعزير ما اختاره الإمام العلامة شمس الدين ابن القيم في الجزء الثاني من (إعلام الموقعين عن رب العالمين ص ٤٨) أن التعزير لا يتقدر بقدر معلوم قال: " بل هو يحسب الجريمة في صفتها وكبرها وصغرها، وعمر بن الخطاب قد تنوع تعزيره في الخمر فتارة بحلق الرأس،


(١) سنن أبو داود الحدود (٤٤٨٥).
(٢) صحيح البخاري الحدود (٦٧٧٨)، سنن أبو داود الحدود (٤٤٨٦)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٦٩).
(٣) صحيح البخاري الحدود (٦٧٧٨)، صحيح مسلم الحدود (١٧٠٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٣٠).