للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآية: يخبر تعالى رسوله أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى إلا باتباعه دينهم؛ لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه، ويزعمون أنه هو الهدى، فقل لهم: {إِنَّ هُدَى اللَّهِ} (١) الذي أرسلت به: {هُوَ الْهُدَى} (٢) وأما ما أنتم عليه فهو الهوى بدليل قوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (٣)

فهذا فيه النهي العظيم عن اتباع اليهود والنصارى والتشبه بهم فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أمته داخلة في ذلك؛ لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص المخاطب، كما أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (٤)، فاليهود والنصارى سيظلون يحاربون دين الإسلام وأهله، ويكيدون لهم بغايات متعددة، وطرق متشعبة، ولن يرضوا عنهم إلا أن يحيدوا عن طريقه السليم، ولا يشرفهم كما قال أحد المبشرين أن يدخلوا النصرانية، بل يهمهم أن يكون المسلمون لهم تبعا، وأن يشككوهم في دينهم؛ لأن النصارى واليهود غير ملتزمين بعقائدهم الأصلية، وفي هذا اتباع للهوى الذي يريده هؤلاء القوم بصرف المسلمين عن عقيدتهم التي أرادها الله لهم حسدا من عند أنفسهم، حتى يتساووا في الظلم؛ لما في هذا المنهج من محاربة لله، ولشرعه.

فاليهود من سماتهم دائما الفساد والإفساد، ونفوسهم مجبولة على هذا وتبعهم النصارى في ذلك المعتقد، متفقين في التصدي لمحمد صلى الله عليه وسلم ودعوته التي جاء بها من عند الله، مع اختلاف الأكاذيب، وتعمد التشويه فيما قاموا به من دراسة للدين الإسلامي وكتبه وتاريخه، والدس بأساليب متنوعة.

ومع هذا فيجب ألا يغرب عن البال اختلافهم فيما بينهم، وتباين


(١) سورة البقرة الآية ١٢٠
(٢) سورة البقرة الآية ١٢٠
(٣) سورة البقرة الآية ١٢٠
(٤) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ١: ١٣٣ - ١٣٤.