للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبيل الهداية لكنهم رفضوا، فأصبحوا في شقاء بما علموا وما جهلوا، فلا هم استراحوا بما هيأ الله لهم من سبيل الخير والرشاد، ولا هم استراحوا بإعراضهم عن هذا الخير، فيصور القرآن حالتهم النفسية والمعنوية هذه في صورة حسية متحركة، قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} (١) {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (٢).

يقول سيد قطب: " إنه مشهد من المشاهد العجيبة، الجديدة كل الجدة على ذخيرة هذه اللغة من التصورات والتصويرات، إنسان يؤتيه الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوه من علمه ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والاتصال والارتفاع. . . . ولكن ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخا، ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلبس بلحمه، فهو ينسلخ من آيات الله، ويتجرد من الغطاء الواقي والدرع الحامي، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى ويهبط من الأفق المشرق فيلتصق بالطين المعتم، فيصبح غرضا للشيطان لا يقيه منه واق، ولا يحميه منه حام، فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه. . . ثم إذا نحن أولاء أمام مشهد مفزع بائس نكد. . إذا نحن بهذا المخلوق لاصقا بالأرض ملوثا بالطين، ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد. . كل هذه المشاهد المتحركة تتتابع وتتوالى، والخيال شاخص يتبعها في انفعال وانبهار وتأثر " (٣).

ج - عرض القضايا المنطقية والجدلية في أسلوب ضرب الأمثال، وذلك في معرض الاستدلال على عظمة الخالق وقدرته، فالقرآن يأتي بالدليل المقنع من واقع الناس وما يشاهدونه ويعايشونه، لكنه معروض في صورة مؤثرة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (٤).


(١) سورة الأعراف الآية ١٧٥
(٢) سورة الأعراف الآية ١٧٦
(٣) سيد قطب، في ظلال القرآن ٣/ ١٣٩٦ - ١٣٩٧، التصوير الفني ص ٣٩.
(٤) سورة الرعد الآية ٤