للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقول النظام بالصرفة يرجع إلى قاعدة الحسن والقبح العقليين عند المعتزلة، وملخصها: أن كل ما رآه العقل حسنا، فهو عند الله حسن ومطلوب الفعل، وكل ما رآه العقل قبيحا فهو عند الله قبيح ومطلوب الترك. ومن وجهة نظر النظام العقل لا يحيل على العرب وهم أهل الفصاحة والبلاغة والبيان، أن يأتوا بمثل القرآن لولا أن الله صرف هممهم. فجعل النظام ما رآه العقل حكما في هذه المسألة وهو الفصل فيها، مع أن مقولته منقوضة بعدة أدلة نقلية وعقلية منها::

قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (١).

فهذه الآية تدل على بطلان القول بالصرفة لأنه لو كان إعجاز القرآن يكمن في صرف العرب عن الإتيان بمثله لما كان في اجتماع الإنس والجن فائدة.

يلزم القول بالصرفة أن يكون العرب قد تراجعت حالها في البلاغة والبيان وحسن النظم، وأن يكون ما قالوه من شعر زمن الجاهلية أبلغ وأقوى من الشعر الذي قالوه بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وحصول التحدي لهم، وليس الأمر كذلك.

لو حصل نقص في فصاحة العرب وبلاغتهم وحسن نظمهم للكلم، لكان هذا عذرا لهم ولقالوا لمحمد عليه الصلاة والسلام، لقد كان بإمكاننا أن نأتي بمثل القرآن في السابق، لكنك سحرتنا فحلت بيننا وبين الإتيان بمثل القرآن. لكن ذلك لم يحصل، مع حرصهم الشديد على وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأوصاف لا تليق. بل وصفوه بأنه ساحر في كثير من الأمور، لكنهم لم يصفوه بأنه سحرهم في المقدرة على النظم والفصاحة والبيان.


(١) سورة الإسراء الآية ٨٨