للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مهرجان كبير، خيول ومراكب، وسرادقات وفرسان وصخب فيشيح عن هذا كله ويقول: إيتوني ببغلتي (١). ويجتاز الطريق من المسجد صوب الدار فإذا بالطريق مغطى بالفرش والسجاد الذي لم يستعمل من قبل، والذي كان من تقاليد بني مروان أن يضعوه لكل خليفة جديد كي تطأه قدماه أول ما تطأ، فجعل عمر يركله برجله حتى يفضي إلى الحصير ويلتفت إلى مزاحم قائلا: ضم هذا لأموال المسلمين (٢).

ويتقدم إليه أهل سليمان قائلين: هذا لنا وهذا لك. فيجيبهم قائلا: ما هذا لي ولا لسليمان ولا لكم، ولكن يا مزاحم ضم هذا لبيت مال المسلمين (٣).

لقد كان انقلابا كبيرا، وكان على عكس التيار لا يستطيعه إلا من أوتي قوة في العقيدة وصلابة في الحق وإيمانا راسخا، لقد رد الجواري إلى أهلهن وبلادهن، ورد المظالم إلى أهلها، وألغى المجالس التي أشبهت مجالس الأباطرة والقياصرة، وتمسكت بسنن كسرى وقيصر إلى بساطتها الأولى ووضعها الإسلامي، فنهى عن القيام له وابتدأ بالسلام، وأباح دخول المسلمين عليه بغير إذن (٤)، هذا الشاب الذي كان يلبس الحلة بألف دينار ولا يلبسها إلا مرة واحدة، نراه بعد أن تولى الخلافة وتحمل المسئولية لا يلبس إلا قميصا واحدا، وينظر فيرى زوجته فاطمة بنت عبد الملك تلبس عقدا رائعا من جوهر ثمين كان أبوها عبد الملك قد أهداها إياه، فيتقدم إليها ويضعها أمام اختيار صعب.


(١) تاريخ الخلفاء ٢١٤.
(٢) ابن عبد الحكم سيرة عمر ص ٣٩.
(٣) ابن عبد الحكم ص ٣٩ - ٤٠.
(٤) رجال الفكر والدعوة الإسلامية للندوي ص٣٢، ٣٣.