للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أموال المسلمين على ملذاتهم وشهواتهم، وكان عمر يعرف أن السم من يد الخادم، واعترف له الخادم بذلك وأقر له بالمبلغ الذي تقاضاه، فرد عمر المبلغ إلى بيت مال المسلمين، وأمر الخادم بالذهاب حيث لا يراه أحد، ولما أيقن بالموت نهض يخطب بخناصرة، ويقول: واعلموا إنما الأمان غدا لمن حذر الله وخافه، وباع نافدا بباق، وقليلا بكثير، وخوفا بأمان. فلما انتهى من خطبته رفع طرف ردائه فبكى حتى شهق، وأبكى الناس حوله، ثم نزل فكانت إياها (١).

ونفس عمر قد تاقت شوقا إلى الله وإلى لقائه، وأحب أن يموت من علته، ولقد كان يقول: إن لي نفسا تواقة لم تتق إلى منزلة إلا تاقت إلى ما هي أرفع منها، حتى بلغت اليوم المنزلة التي ليس بعدها منزلة، وإنها اليوم قد تاقت إلى الجنة (٢).

وحضر أولاد عمر حين علموا بمرضه، فدعاهم فنظر إليهم ثم قال: بنفسي فتية تركتهم ولا مال لهم، أي بني لقد تركتكم وتركت لكم خيرا كثيرا، يا بني إن أباكم مثل بين أمرين: إما أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب، قوموا يعصمكم الله، قوموا يرزقكم الله (٣).

واشتد المرض على عمر وكان بجانبه زوجته الوفية فاطمة ومسلمة بن عبد الملك ووصيف له يقال له مرثد، وسهروا بجانبه الليلة كلها، قالت فاطمة: اشتد عدم استقراره من الألم الليلة، فسهر وسهرنا معه، فلما أصبحنا أمرت وصيفا له يقال له (مرثد) فقلت له: يا مرثد كن عند أمير


(١) الطبري ج ٥ ص ٣٢٣.
(٢) ابن عبد الحكم ص ٦١.
(٣) ابن عبد الحكم ص ١١٧، ١٢٧.