للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذلك، كما كانوا أقوم الخلق بجهاد الكفار والمنافقين، كما قال فيهم " عبد الله بن مسعود ": " من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد، كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم] (١).

ويعلق ابن تيمية على كلام " ابن مسعود " بأنه يخبر عما عرف به الصحابة من كمال بر القلوب، [مع كمال عمق العلم. وهذا قليل في المتأخرين] (٢).

ووبما أن السلف قد نهجوا نهج الصحابة، واتبعوا طريقتهم، وأفادوا من غزارة علمهم، وارتووا من فيض فقههم، فإنهم بذلك لا بد أن يكونوا في موقفهم من الصفات، أعلم، وأحكم، وأسلم.

ز - وعلى هذا فإن فكرة تفضيل موقف الخلف باتجاههم إلى التأويل تارة، أو إلى النفي، على موقف السلف بكفهم عن الخوض في ذلك، تعد فكرة غير سديدة من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإنها تؤدي في الواقع، إلى الحكم على أولئك الصحابة ومن اتبع طريقتهم، بأنهم كانوا عاجزين في فهمهم، بل غير قادرين على استيعاب النص القرآني استيعابا تاما. ومن ثم فقد آثروا السلامة، ولم يؤولوا، بل فوضوا معرفة حقائق الصفات إلى مراد الله.

أما الخلف: فقد كسروا هذا الحاجز، وكانوا أعمق علما، وأكثر قدرة على الفهم والاستيعاب، فكشفوا عن مراد الخالق، واتجهوا إلى التأويل.

ولا ريب أن هذا التصور الذي تطرحه تلك المقولة، فيه مجانبة للحقائق الموضوعية، وهو بعيد عن المنهجية العلمية، وهو لا يمثل الواقع لا


(١) فتاوى الرياض: مج / ٤، ص / ١٣٧ - ١٣٨.
(٢) فتاوى الرياض: مج / ٤، ص / ١٣٨.