للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر شيخ الإسلام أن ابن عربي ادعى أن أصحاب النار يتنعمون في النار كما يتنعم أهل الجنة في الجنة، وأنه يسمى عذابا من عذوبة طعمه، وهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام (١).

وقد تكلم طائفة من التصوف في تحقيق التوحيد، فزعموا أن توحيد الربوبية هو الغاية والفناء فيه هو النهاية، وأنه إذا شهد ذلك سقط عن استحسان الحسن واستقباح القبيح، فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي، والوعد والوعيد.

وقد حكم عليهم شيخ الإسلام فقال: هذه هو الكفر الصريح. وقد رد على القائلين بوحدة الوجود والحلول والاتحاد فقال: يقول عارفهم: السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية، أي نظرا إلى الأمر، ثم يرى طاعة بلا معصية، أي نظرا إلى القدر، ثم لا طاعة ولا معصية نظرا إلى أن الوجود واحد.

ثم رد عليهم فقال: (صفات الله توجب مباينة لمخلوقاته، وأنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (٢).

وقد زعم ابن عربي: أن الولاية أساس المرتبة الروحية كلها، وأن النبوة والرسالة تنقطعان؛ لأنهما مقيدتان بالزمان والمكان، أما الولاية فلا تنقطع أبدا؛ لأن المعرفة الكاملة بالله لا تنقطع ولا تحد بزمان أو مكان، كما أن العلم الشرعي يوحى به إلى الرسول على لسان الملك، أما العلم الباطني عند الولي فهو إرث يرثه من منبع الفيض الروحي جميعه.

وقد رد عليه شيخ الإسلام لكون هذه العقيدة خطرا يهدد كيان الإسلام، ولكونها مخالفة للعقل والشرع، وهي بينة الضلال والكفر؛ لأنها تحرر عن الدين والشريعة والعقيدة التي جاء به الرسل جميعا، وخروج على الله، وبغي وفساد في الأرض (٣).


(١) الصفدية، ص ٢٤٤ - ٢٤٧.
(٢) سورة الإخلاص الآية ١
(٣) الصفدية، ص ٢٤٤ - ٢٤٨ والفتاوى ٢/ ٢١٩ - ٢٢٨.