للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما قال وهو في حبسه: ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وقال: المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه (١) وقال ابن القيم وهو يصف حالته في السجن: وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف، وهو مع ذلك أطيب الناس عيشا، وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا، وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه (٢).

مرض رحمه الله أياما يسيرة، وتوفي في ليلة الاثنين والعشرين من ذي القعدة، وغسل وكفن وأخرج وصلي عليه أولا بالقلعة، ثم صلي عليه بجامع دمشق عقيب صلاة الظهر، لم يتخلف أحد من الناس فيما قالوا غير أنفس كانوا قد اشتهروا بمعاندته، فاختفوا من الناس خوفا على أنفسهم، ولم ير لجنازة أحد ما رئي لجنازته من الوقار والهيبة والعظمة والجلالة، وتعظيم الناس لها، وتوقيرهم إياها.

ودفن في ذلك اليوم، رثاه كثير من الفضلاء بقصائد متعددة، وتناوب الناس قبره للصلاة عليه من القرى والأطراف والأماكن والبلاد، وصلي عليه في أرض مصر والشام والعراق وتبريز والبصرة وقراها وغيرها (٣).

جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، ورزقنا وكافة المسلمين الحياة والموت على الكتاب والسنة حتى نلقاه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

محمد لقمان السلفي


(١) ذيل طبقات الحنابلة ٤/ ٤٠٢.
(٢) ذيل طبقات الحنابلة ٤/ ٤٠٢ - ٤٠٣.
(٣) تذكرة الحفاظ، ص / ١٤٩٦، ١٤٩٧ والعقود الدرية، ص / ٣٦١، ٣٦٢، ٣٧٠، ٣٧١.