للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجماعة، وابتعدت عن القياس والتأويل، والتزمت بظاهر النص مع معناه الأصيل.

ولم يقف تأثير فكر عالم المدينة على أهالي الجزيرة العربية والمشرق الإسلامي، بل امتد ليؤثر في المغرب والأندلس وشعوب غرب أوروبا؛ وذلك ليحمي أمة بأكملها من زيغ الزائفين وضلالات المضللين، إذ كان لبعد هذه البلاد عن مراكز الإسلام الإشعاعية في المشرق الإسلامي ولا سيما الحرمين الشريفين، كما كان لضعف السلطة المركزية في بغداد في أن تتعقب أصحاب النحل الضالة التي فرت إلى المغرب، قد شجع أصحاب هذه النحل أن تتخذ من بلاد المغرب أوكارا تعشعش فيها دعواتهم المنحرفة.

وشاء الله لهذه البلاد أن تنجو من تلك المهالك إذ هيأ لها رجالا أشداء مخلصين تمذهبوا بمذهب عالم المدينة، وعرفوا منه الدين على أصوله الصافية، إذ كانت رحلة المغاربة إلى المدينة لا تنقطع سواء في مواسم الحج أو طلبا للعلم.

ولم يمض وقت طويل حتى تكونت في بداية القرن الثالث الهجري النواة الأولى لمدرسة القيروان التي لمعت في دراسة الفقه المالكي، وفي تصنيفه، وفي الإفتاء به، ومن أشهر الفقهاء المؤسسين لهذه المدرسة: الإمام سحنون وابنه محمد، وابن عيدروس، وابن الحداد، وغيرهم كثيرون يشهدون بفضل عالم المدينة المنورة، وبعلمه الصحيح.

ولم يقف تأثير فكر عالم المدينة المنورة على الشمال الإفريقي، بل امتد أيضا ليشمل بلاد الأندلس في غرب أوروبا، إذ لمس الأندلسيون عند مرورهم بالقيروان متجهين إلى الحج مدى الازدهار العلمي والثقافي الذي تعيشه القيروان في رحاب فكر عالم المدينة، حينئذ شدوا رحالهم إلى المدينة لتعلم الفقه المالكي، وأخذ العلم من منابعه، ثم عادوا إلى بلادهم