للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي نزل عليه القرآن، وهو بأحكامه أعرف وبمنزلته أعلم، أنه علق على نفسه أو غيره تميمة من القرآن أو غيره، أو اتخذه أو آيات منه حجابا يقيه الحسد أو غيره من الشر، أو جعله أو شيئا منه في ملابسه أو في متاعه على راحلته لينال العصمة من شر الأعداء، أو الفوز والنصر عليهم، أو لييسر له الطريق ويذهب عنه وعثاء السفر، أو غير ذلك من جلب نفع أو دفع ضر، فلو كان مشروعا لحرص عليه وفعله، وبلغه أمته، وبينه لهم؛ عملا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (١).

ولو فعل شيئا من ذلك أو بينه لأصحابه لنقلوه إلينا، ولعلموا به؛ فإنهم أحرص الأمة على البلاغ والبيان، وأحفظها للشريعة قولا وعملا، وأتبعها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يثبت شيء من ذلك عن أحد منهم، فدل ذلك على أن حمل المصحف أو وضعه في السيارة أو متاع البيت أو خزينة المال لمجرد دفع الحسد أو لحفظ أو غيرهما من جلب نفع أو دفع ضر لا يجوز، وكذا اتخاذه حجابا أو كتابته أو آيات منه في سلسلة ذهبية أو فضية مثلا لتعلق في الرقبة ونحوها لا يجوز، لمخالفة ذلك لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهدي أصحابه رضوان الله عليهم، ولدخوله في عموم حديثه: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له (٢)». . . وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك (٣)». رواهما الإمام أحمد، وفي عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (٤)». إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم استثنى من الرقى ما لم يكن فيه شرك، فأباحه كما تقدم، ولم يستثن شيئا من التمائم، فبقيت كلها على المنع، وبهذا يقول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وجماعة من الصحابة وجماعة من التابعين منهم أصحاب عبد الله بن مسعود كإبراهيم بن يزيد النخعي.


(١) سورة المائدة الآية ٦٧
(٢) مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٥٤).
(٣) مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٥٦).
(٤) سنن أبو داود الطب (٣٨٨٣)، سنن ابن ماجه الطب (٣٥٣٠)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٨١).