للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الله تعالى:

{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (١).

فهذه الآية يخبر الله فيها عن فطرة الإنسان التي فطره عليها - وهو سبحانه أعلم بما ركب في النفس البشرية من فطرة، فيعلم سبحانه أن نفس الإنسان ذات ميول واتجاهات لا يملكها الإنسان، ومن ثم أعطاها لهذه الميول خطاما لينظم حركتها، لا ليعدمها ويقتلها.

ومن هذه الميول أن يميل القلب إلى إحدى الزوجات دون سواها أو أكثر من غيرها لسبب من الأسباب، وهذا الميل لا حيلة له فيه، ولا قدرة له عليه، ولا يملك محوه ولا قتله وإزالته، فالقلوب ليست ملكا لأصحابها، إنما هي بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. فبين الله سبحانه في هذه الآية أنه لا يحاسب الزوج عليه، ما دام في قلبه لم يتعد إلى معاملته وأفعاله وسلوكه، بل يصارح الناس بأنهم لن يستطيعوا أن يعدلوا بين النساء في محبة القلب ليرفع عنهم الحرج؛ إذ الأمر خارج عن إرادتهم.

ولكن عليهم أن لا يميلوا كل الميل فيؤثر على المعاملة الظاهرة ويحرم الأخرى حقوقها، فلا تكون زوجة ولا تكون مطلقة. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعله يحقق الواقع البشري، فيقسم بين نسائه فيما يملك ويعدل في هذه القسمة، حتى إنه إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ليأخذ من تقع عليها القرعة معه لتصحبه في السفر. ولكن محبة القلب لا يملكها


(١) سورة النساء الآية ١٢٩