للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحديث عن زهد الإمام أحمد رحمه الله باب يطول، نقتصر على القليل منه: قال صالح بن أحمد: " ربما رأيت أبي يأخذ الكسر، ينفض الغبار عنها، ويصيرها في قصعة، ويصب عليها ماء، ثم يأكلها بالملح، وما رأيته اشترى رمانا ولا سفرجلا، ولا شيئا من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها بخبز وعنبا وتمرا " (١).

قلت: وهذا من شدة خوفه من الله سبحانه وتعالى، فقد قال المروذي: " كان الإمام أحمد إذا ذكر الموت خنقته العبرة، وكان يقول: الخوف يمنعني أكل الطعام والشراب " (٢).

وقال صالح بن أحمد: " قال لي أبي: كانت والدتك في الظلام تغزل غزلا دقيقا، فتبيع الأستار بدرهمين أقل أو أكثر، فكان ذلك قوتنا. وكنا إذا اشترينا الشيء نستره عنه كيلا يراه فيوبخنا. وكان ربما خبز له، فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات ولهريز (٣)، فيجيء الصبيان فيصوت ببعضهم، فيدفعه إليهم، فيضحكون ولا يأكلون. وكان يأتدم بالخل كثيرا " (٤).

وأما عن بيته فيصفه لنا الميموني بقوله: " كان منزل أبي عبد الله ضيقا صغيرا، وينام في الحر في أسفله " (٥).

لذلك لما دخل أحمد بن عيسى المصري ومعه قوم من المحدثين على أبي عبد الله أحمد بن حنبل بالعسكر، فقال له أحمد بن عيسى: "يا أبا عبد الله، ما هذا الغم؟ الإسلام حنيفية سمحة، وبيت واسع!! فنظر إليهم وكان مضطجعا، فلما خرجوا، قال أبو عبد الله: "ما أريد أن يدخل علي


(١) النبلاء (١١/ ٢٠٨).
(٢) تاريخ الإسلام (ص٢١) والنبلاء (١١/ ٢١٥) وطبقات الحنابلة (١/ ١٢).
(٣) نوع من التمر.
(٤) النبلاء (١١/ ٢٠٨).
(٥) النبلاء (١١/ ٣٢٥).