للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ثمانية وعشرين شهرا، وقيل: بضعة وثلاثين شهرا. وكان يصلي وينام والقيد في رجله.

وفي كل يوم يرسل إليه الخليفة المعتصم من يناظره، وكان كلام الإمام أحمد واحدا لا يتغير. حتى غضب عليه المعتصم وهدده وشتمه، وأمر بالشدة في جلده، وزاد في قيده. والإمام أحمد صابر محتسب ثابت ثبوت الجبال الرواسي.

قال أبو شعيب الحراني: "كنا مع أبي عبيد القاسم بن سلام بباب المعتصم، وأحمد بن حنبل يضرب. قال: فجعل أبو عبيد يقول: أيضرب سيدنا، لا صبر؟! أيضرب سيدنا، لا صبر؟! قال أبو شعيب: فقلت:

ضربوا ابن حنبل بالسياط بظلمهم ... بغيا فثبت بالثبات الأنور

قال الموفق حين مدد بينهم ... مد الأديم مع الصعيد القرر

إني أموت ولا أبوء بفجرة ... تصلى بوائقها محل المفتري

". (١).

ثم أطلق سراح الإمام أحمد، فعاد رحمه الله تعالى إلى التدريس بالمسجد بعد أن شفاه الله من جراحاته إلى أن مات المعتصم.

ثم تولى الخلافة من بعده ابنه الواثق الذي أظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دؤاد - رأس المعتزلة - وأصحابه. واشتد الأمر على أهل بغداد، فمنع الإمام أحمد من الخروج للدرس والاجتماع للناس، فانقطع الإمام أحمد عن التدريس مدة تزيد على خمس سنوات، حتى توفي الواثق (٢٣٢هـ).

ثم تولى الخلافة المتوكل رحمه الله تعالى، الذي أعاد الحق إلى نصابه،


(١) مناقب الإمام (ص٣٣٦).