للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي سبيل الله ما يلقون. ولو أنهم أخذوا بالتقية، واستساغوا الرخصة لضل الناس من ورائهم يقتدون بهم ولا يعلمون أن هذه تقية، وقد أتي المسلمون من ضعف علمائهم في مواقف الحق. . لا يجاملون الملوك والحكام فقط! بل يجاملون كل من طلبوا منه نفعا أو خافوا ضرا في الحقير والجليل من أمر الدنيا. ولقد قال رجل من أئمة هذا العصر المهتدين: كأن المسلمين لم يبلغهم من هداية كتابهم فيما يغشاهم من ظلمات الحوادث غير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (١).

ثم أصيبوا بجنون التأويل فيما سوى ذلك. . . " (٢).

وقف الإمام أحمد هذا الموقف في الوقت الذي أحجم فيه عامة العلماء عن الحق، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون (٣)». وفي لفظ: «لا يزال ناس من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله عز وجل (٤)».

وبعد أن ثبت الله الإمام أحمد على الحق، نسب إليه مذهب أهل السنة؛ لأنه صبر على الذب عنها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأحمد بن حنبل وإن كان قد اشتهر بإمامة السنة والصبر في المحنة، فليس ذلك لأنه انفرد بقول، أو ابتدع قولا، بل لأن السنة التي كانت موجودة معروفة قبله، علمها ودعا إليها، وصبر على من امتحنه ليفارقها، وكان الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة، فلما وقعت محنة الجهمية نفاة الصفات في أوائل المائة الثالثة - على عهد المأمون وأخيه المعتصم ثم الواثق - ودعوا الناس إلى التجهم وإبطال صفات الله تعالى، وهو المذهب الذي ذهب إليه متأخرو الرافضة، وكانوا قد أدخلوا معهم من أدخلوه من ولاة الأمور، فلم


(١) سورة آل عمران الآية ٢٨
(٢) مقدمة المسند (١/ ٩٨) الهامش.
(٣) صحيح مسلم الإمارة (١٩٢٠)، سنن الترمذي الفتن (٢٢٢٩)، سنن أبو داود الفتن والملاحم (٤٢٥٢)، سنن ابن ماجه المقدمة (١٠)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٧٩).
(٤) حديث صحيح متواتر، تقدم تخريجه (ص٢٥١).