للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا أخطأ الصحابي في اجتهاده بين له النبي - صلى الله عليه وسلم - الصواب. فعندما أجنب عمار - رضي الله عنه- ولم يجد الماء وتمرغ في التراب كما تتمرغ الدابة ثم صلى. قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما كان يكفيك هكذا. فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض ونفخ فيها ثم مسح بها وجهه وكفيه (١)».

وإذا اختلف الصحابة في اجتهادهم وكان النص يحتمل ذلك أقرهم - صلى الله عليه وسلم - على ما فعلوا ولم يعنف أحدا. وهذا مبدأ عظيم يجب أن يتنبه المسلمون إليه فإن القرآن نزل بلغة العرب وعلى عادة العرب في أساليبهم وقد يحتمل اللفظ أكثر من معنى فلا يجوز أن نعيب أو نعادي من خالفنا في الرأي في هذه الحالة إذا كان الرأي صادرا ممن يجوز له الاجتهاد. كما لا يجوز لنا أن نحجر على الناس ونمنعهم من تقليد من يثقون بعلمه ودينه وإن كان رأيهم يخالف آراءنا. وقد اختلف الصحابة في كثير من المسائل ومع هذا الاختلاف بقي الود والتقدير بينهم ولا غرابة في ذلك. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - علمهم هذا المبدأ. فعندما قال لهم يوم الأحزاب: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة (٣)».

ومن رحمة الله بالأمة أن جعل لكل مجتهد أجرا إن أخطأ وأجرين إن أصاب قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر (٤)» هذا بشرط أن يكون المجتهد ممن يجوز له الاجتهاد. أما من يجتهد في دين الله وليس أهلا لذلك فهو في النار كما أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «القضاة ثلاثة: اثنان في النار،


(١) رواه مسلم في كتاب الحيض باب التيمم ١/ ٢٨٠ - ٢٨١.
(٢) رواه البخاري في كتاب المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب ٥/ ٥٠. وانظر أعلام الموقعين لابن القيم ١/ ٢٠٣.
(٣) (٢) أدركوا العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذك. فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعنف أحدا
(٤) رواه مسلم في كتاب الأقضية باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ ٣/ ١٣٤٢.