للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك، فقال له النجاشي: "هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ " فقرأ عليه صدرا من (كهيعص) (١)، فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم (٢) ثم قال النجاشي: "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة (٣) واحدة، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون".

ولما خرجا من عنده، قال عمرو بن العاص: "والله لآتينه غدا عنهم، أستأصل به خضراءهم (٤) فقال عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين: "لا تفعل، فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا" فقال: "والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد ".

وغدا على النجاشي من الغد، فقال: "أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه".

وأرسل النجاشي إلى المسلمين المهاجرين ليسألهم عن عيسى، فلما دخلوا عليه قال لهم: "ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟ " فقال جعفر: "نقول فيه الذي جاءنا به نبينا - صلى الله عليه وسلم - هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول"، فضرب النجاشي بيده إلى الأرض فأخذ


(١) هي سورة مريم - مكية إلا آيتي ٥٨ و ٧١ فمدنيتان، وآياتها ٩٨، نزلت بعد سورة فاطر - ١٩.
(٢) سيرة ابن هشام (١/ ٣٥٨ - ٣٥٩).
(٣) المشكاة: الثقب الذي يوضع فيه الفتيل والمصباح، وهي الكوة غير النافذة.
(٤) أستأصل به خضراءهم: يعني جماعتهم ومعظمهم.