للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحبون العاجلة، وقديما قالوا: "عصفور في اليد، خير من عشرة على الشجرة "، والمؤمن كأبي موسى يؤثر الآخرة على الدنيا، وما عند الله على ما عند الناس.

وذكر أحد الثقاة الذين صاحبوا أبا موسى في سفره، فقال: "كنا مع أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه في سفر، فآوانا الليل إلى بستان حرث فنزلنا فيه، فقام أبو موسى من الليل يصلى- وذكر من حسن صوته ومن حسن قراءته- ثم قال: وجعل لا يمر بشيء إلا قاله ثم قال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، وأنت المؤمن تحب المؤمن، وأنت المهيمن تحب المهيمن، وأنت الصادق تحب الصادق (١) "، وقد كان أبو موسى مؤمنا صادقا حقا.

وكان أبو موسى يتوخى اليوم الحار الشديد الذي يكاد ينسلخ فيه الإنسان، فيصومه (٢)، تقربا إلى الله.

وصام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال (٣)، فقيل له: "لو أجممت (٤) نفسك "، فقال: "أيهات (٥)، إنما يسبق من الخيل المضمرة (٦) "، وربما خرج من منزله فيقول لامرأته: "شدي رحلك فليس على جسر جهنم معبر " (٧)، يريد: أن العمل الصالح هو السبيل للنجاة من جهنم، ولا يكون إلا بالتعب والدأب والإيمان.

وكان إذا نام، لبس ثيابا عند النوم مخافة أن تنكشف عورته (٨)، وكان


(١) حلية الأولياء (١/ ٢٥٩)، وقد ذكر ذلك مسروق.
(٢) حلية الأولياء (١/ ٢٦٠) وصفة الصفوة (١/ ٢٢٧).
(٣) الخلال: العود الذي يتخلل به، أي أنه أصبح ضعيفا كالخلال.
(٤) أجممت نفسك: أراح نفسه فذهب إعياؤه.
(٥) أيهات: هيهات.
(٦) ضمر: هزل وقل لحمه. وأضمر: جعله يضمر.
(٧) صفة الصفوة (١/ ٢٢٧). والمعبر: الشط المهيأ للعبور. والمعبر: ما يعبر به النهر من قنطرة أو سفينة.
(٨) طبقات ابن سعد (٤/ ١١١).