للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- وإيتاء الزكاة: طهرة للمال، ومشاركة للفقير في حق فرضه الله له في مال الغني؛ لأن بذله بسخاء وطيبة نفس مما يغني نفوس الفقراء، ويهدئ قلوبهم فلا تتطاول أيديهم على ما في أيدي الآخرين، ولا يحقدون على الأغنياء المتنعمين بالمال، وهم محرومون منه.

وإذا كان البدن يتطهر بالماء وضوءا واغتسالا من أجل الصلاة، التي يجب أن تستقبل بالطهارة الحسية الظاهرة ليتهيأ الجسم بحواسه كلها للطهارة المعنوية التي توجبها الصلاة، وتنعكس آثارها على الأعمال، ومسيرة الفرد والمجتمع. فإن الزكاة تحصن المال، وتطهر قلب صاحبه؛ ليحرص على تجنب كل مدخل حرام، أو أن يصرف ذلك المال في الحرام، حيث إن المال مال الله، وما صاحبه إلا مستحفظ عليه؛ لينظر جل وعلا ماذا يعمل فيه أخذا وإنفاقا، وماذا يؤدي منه حقا وإحسانا؛ لأنه نعم المال الصالح عند الرجل الصالح.

فالإنفاق منه على النفس، وعلى من تلزم نفقته شرعا من أداء حق المال، لما فيه من كفاية عن التطاول على ما في أيدي الآخرين بسرقة أو غيرها، والتصدق منه برا وإحسانا على القريب والمحتاج وسبل الخير الأخرى، ومن تزكية النفس وتعويدها على السخاء بأحب شيء إليها، وترضيته للنفس المدفوع إليها بما يعفها ويشعرها بالترابط الاجتماعي. أما الزكاة فهي حق لله في مال الغني، تولى الله جل وعلا تسمية أهلها الثمانية؛ ليكون في ذلك إعانة على الرقابة الذاتية للنفس جودا بالعطاء، وتنقية للمال، وتلمسا لمن يستحقها حتى تبرأ بها الذمة، وكلما كان بذل المال للآخرين خافيا، كان الأثر أبلغ في المعطي تزكو نفسه، ويرتاح قلبه.

وفي الآخذ حيث يرتفع به عن ذل السؤال، وكشف الحال، وفي كليهما ترضى النفوس، وتحمى من الاندفاع إلى الجريمة، يقول جل وعلا: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (١)


(١) سورة البقرة الآية ٢٧١