للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخامس: ما رفع الله -جل ذكره- رسمه من كتابه فلا يتلى وأزال حكمه ولم يرفع حفظه من القلوب ومنع الإجماع من تلاوته على أنه قرآن. وهذا أيضا إنما يؤخذ من طريق الأخبار نحو ما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها في العشر الرضعات والخمس فالأمة مجمعة على أن حكم العشر غير لازم ولا معمول به عند أحد. وإنما وقع الاختلاف في التحريم برضعة على نص القرآن في قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (١) أو بخمس رضعات على قول عائشة أنها نسخت العشر وكانت مما يتلى وقد ذكرنا هذا.

السادس: ما حصل من مفهوم الخطاب فنسخ بقرآن متلو وبقي المفهوم ذلك منه متلوا نحو قوله {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} (٢) فهم من هذا الخطاب أن السكر في غير وقت الصلاة جائز فنسخ ذلك المفهوم قوله {فَاجْتَنِبُوهُ} (٣) إلى قوله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (٤) فحرم الخمر والسكر مثل الخمر وبقي المفهوم ذلك منه متلوا قد نسخ أيضا بما نسخ ما فهم منه فيكون فيه نسخان: نسخ حكم ظاهر متلو ونسخ حكم ما فهم من متلوه. وكما قسم مكي رحمه الله النسخ باعتبار المنسوخ فقد قسمه أيضا من حيث الناسخ إلى ثلاثة أقسام هي:

الأول: أن يكون الناسخ فرضا نسخ ما كان فرضا ولا يجوز فعل المنسوخ نحو قوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} (٥) فرض الله فيها حبس الزانية حتى تموت أو يجعل الله لها سبيلا ثم جعل السبيل بالحدود في سورة النور بقوله {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (٦) فكان الأول فرضا فنسخه فرض آخر ولا يجوز فعل الأول المنسوخ وكلاهما متلو مدني.


(١) سورة النساء الآية ٢٣
(٢) سورة النساء الآية ٤٣
(٣) سورة المائدة الآية ٩٠
(٤) سورة المائدة الآية ٩١
(٥) سورة النساء الآية ١٥
(٦) سورة النور الآية ٢