للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإعجاز القرآن التشريعي يستطيع أي متأمل أن يدركه فهو ليس بالإعجاز اللغوي الذي لا يعرفه إلا من عرف العربية وتعلمها وتذوقها، ذلك أن هذا التشريع تناول جوانب الحياة كلها (١).

فنظم علاقة الفرد بخالقه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بغيره من أفراد مجتمعه - الذي يضم المسلمين وغيرهم - كما نظم أيضا علاقة المجتمع المسلم بالمجتمعات الأخرى في حالتي السلم والحرب.

ثم إن المتأمل يجد أن هذه التشريعات قد امتازت بخصائص لم تتوافر في غيرها من شمول وكمال وتوازن، وعدم تعارض واضطرب، فلا تجد في القرآن الكريم حكما يناقض آخر ولا معنى يعارض معنى مع أن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة وآيات الأحكام فيه كثيرة، وصدق الله إذ يقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (٢).

كما أن التشريعات امتازت باليسر ورفع الحرج، واتسمت أيضا بالعدل بين الناس، وساوت بينهم فنبذت التفرقة بين واحد وآخر أمام الله عز وجل {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (٣).

كما أنها عملت على حفظ الضرورات الخمس في حياة الناس فحفظت الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل. فكانت بذلك كله موافقة لفطرة الإنسان تسير معها جنبا إلى جنب فجنبت الإنسان الوقوع في الشقاء والتخبط.

ولعل من أبرز ما امتازت به هذه التشريعات صلاحيتها لكل زمان ومكان فما من حادثة تجد إلا ولها حكم شرعي يستنبطه العلماء العارفون بالكتاب والسنة.


(١) خلاف، أصول الفقه: ٣٢ - ٣٣ وانظر: سالم المدخل إلى الثقافة الإسلامية ٢٥٩
(٢) سورة النساء الآية ٨٢
(٣) سورة الحجرات الآية ١٣