للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الكتاب الكريم لم يكن من مقاصده تقرير حقائق علمية تتعلق بالإنسان والكون، لكنه سبحانه أثناء سوقه الأدلة على وجوده ووحدانيته، وتذكير الناس بنعمه وآلائه التي لا تحصى، ولفت الأنظار إلى قدرته الباهرة - أثناء ذلك كله - ذكر سبحانه آيات لفتت النظر إلى حقائق علمية لم تعرف إلا بعد عصر التنزيل بقرون كثيرة. فكلما كشف البحث العلمي سنة كونية أو حقيقة علمية وظهر أن آية في القرآن الكريم أشارت إلى تلك السنة أو الحقيقة قام برهان جديد على أن القرآن من عند الله.

ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض الناس لا يرون أن تفسر بعض آيات القرآن الكريم وفق ما جاء به العلم الحديث محتجين بأن آيات القرآن لها مدلولات ثابتة مستقرة لا تبدل ولا تتغير، بينما معطيات العلم قد تتغير وتتبدل من حين لآخر نتيجة البحث الدائم المستمر، فكم من نظرية علمية دافع عنها أصحابها ثم تراجعوا عنها بعد أن ظهر خطؤها وبطلانها (١).

لكن هذا الرأي لا يسلم من النقد، إذ أن تفسير آية قرآنية بما كشف العلم الحديث من سنن كونية ما هو إلا فهم للآية بوجه من وجوه الدلالة على ضوء العلم، وليس معنى هذا إن الآية لا تفهم إلا بهذا الوجه من الوجوه، فإذا ظهر خطأ ما اكتشفه العلم ظهر خطأ فهم الآية على هذا الوجه لا خطأ الآية نفسها. وهذا ينطبق تماما على غير ما اكتشفه العلم، ألا ترى أن عالما قد يفهم حكما شرعيا من آية قرآنية ثم يعدل عن هذا الفهم إذا تبين له خطأ فهمه بظهور دليل جديد أبطل فهمه الأول (٢).

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يجب على من يتصدى لتفسير آيات القرآن الكريم وفقا لما جاء به العلم الحديث أن يتحرى حقائق العلم التي أثبت العلماء أنها حقائق لا مجال للرجوع عنها تاركا الفرضيات والنظريات التي لم تصبح حقائق بعد. كما عليه أيضا أن يتجنب النصوص القرآنية ما لا تحتمل.


(١) انظر القطان: مباحث في علوم القرآن ٢٧٠
(٢) خلاف: أصول الفقه، ص٢٩ - ٣٠